والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته، أنه يشهد لصاحبه بفضله، وعلى ظالمه بفعله. وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف، إظهارًا لتفضيله أيضًا، ومن ثَم لم يُشرع غسل الشهيد في المعركة.
واستشكل إيراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب؛ لأنه لا يدخل في طهارة الدم ولا في نجاسته، وإنما ورد في فضل المطعون في سبيل الله.
وأجيب بأن قصد المصنف بإيراده تأكيد مذهبه، في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة، ما لم يتغير، فاستُدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة يؤثر في الموصوف، فكما أن تغير الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح، فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة يُخرجه عن صفة الطهارة إلى النجاسة.
وتعُقِّب بأن الغرض إثبات انحصار التنجيس في التغير، وما ذكر يدل على أن التنجيس يحصُل بالتغير، وهو وفاق، لا أنه لا يحصُل إلا به، وهو موضع النزاع.
وله أن يجيب، فما لم يحصل التغير يبقى على أصله.
وقيل: إن مقصود البخاري أن يبيِّن طهارة المسك، ردًّا على من يقول بنجاسته، لكونه دمًا انعقد، فلما تغير عن الحالة المكروهة من الزُّهومة وقبح الرائحة، إلى الحالة الممدوحة، وهي طيب رائحة المسك، دخل عليه الحل، وانتقل من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة، كالخمر إذا تخلَّلت.