وقال ابن رَشيد: مُراده أن انتقال الدم إلى الرائحة الطيبة هو الذي نقله من حالة الذم إلى حالة المدح، فحصَلَ من هذا تغليب وصف واحد وهو الرائحة على وصفين وهما الطعم واللون، فيُستنبط منه أنه متى تغير أحد أوصافه الثلاثة بصلاح أو فساد، تبعه الوصفان، وكأنه أشار بذلك إلى ردِّ ما نُقل عن ربيعة وغيره أن تغير الوصف الواحد لا يُؤثر حتى يجتمع اثنان.
قال: ويُمكن أن يُستدل به على أن الماء إذا تغير ريحه بشيء طيب لا يسلبُه اسم الماء، كما أن الدم لم ينتقل عن اسم الدم مع تغير رائحته إلى رائحة المسك؛ لأنه قد سماه دمًا، مع تغير الريح، فما دام الاسم واقعًا على المسمّى، فالحكم تابع له.
ويرد على الأول أنه يلزم منه أن الماء إذا كانت أوصافه الثلاث فاسدة، ثم تغيرت صفة واحدة منها إلى صلاح، أنه يُحكم بصلاحه كله. وعلى الثاني أنه لا يلزم من كونه لم يُسلب اسم الماء أن لا يكون موصوفًا بصفة تمنع من استعماله مع بقاء اسم الماء عليه.
قلت: الاعتراض الثاني ظاهر، والأول غير لازم؛ لأنه زوال وصف واحد بعدما انسلبت طهورية الماء بتغير أوصافه الثلاثة لا يُقاس على زوال وصف واحد مع بقاء الوصفين الأصليين.
ولأصحاب "السنن" وصححه الترمذي وابن حِبان والحاكم، عن معاذ بن جبل:"من جُرِح جرحًا في سبيل الله، أو نُكِب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزَر ما كانت، لونها الزعفران، وريحها المسك"، وعُرِف بزيادة:"نكب نكبة" في هذا الحديث، أن الصفة المذكورة لا تختصُّ بالشهيد، بل هي حاصلة لكل من جُرح، وهذا لا يخالف ما مر من أن الجرح خاص بأن يكون في سبيل الله.
ويُحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل اندِماله، لا ما يندمل في الدنيا، فإن أثر الجراحات وسيلان الدم يزول، ولا ينفي ذلك أن يكون له فضلٌ في الجملة، لكن الظاهر أن الذي يجيء يوم القيامة