والصواب في مناسبة الحديث للجملة السابقة هو أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة، لتضمُّنه موضع الدِّلالة المطلوبة، وإن لم يكن باقيه مقصودًا، كما صنع في حديث عروة البارقي الآتي في الجهاد في شراء الشاة، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة.
وقد وقع لمالك في "الموطأ" نحو هذا، إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متونًا بسند واحد، أولها:"مر رجل بغصن شوك"، وآخرها:"لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوًا" وليس غرضه منها إلا الحديث الأخير، لكنه أدّاها على الوجه الذي سمعه.
وقال ابن العربي في "القبس": نرى الجهّال يتبعون تأويلها، ولا تعلُّق للأول منها بالباب أصلًا.
وقيل: وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر من يُدفن من الأمم في الأرض، وأول من يخرج منها؛ لأن الوعاء آخر ما يُوضع فيه أول ما يُخْرَج منه، فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر، فينبغي أن يجتنب ذلك. ولا يخفى ما فيه.
وقيل: وجه المناسبة أن بني إسرائيل وإن سبقوا في الزمان، لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه، فلعلهم كانوا لا يجتنبونه.
وتُعُقِّب بأن بني إسرائيل كانوا أشدَّ مبالغة في اجتناب النجاسة، بحيث كانت النجاسة إذا أصابت جلد أحدهم قرضه، فكيف يُظن بهم التساهل في هذا، وهو استبعاد لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور، وما مر أولى.
وقوله:"وبإسناده" أي: إسناد هذا الحديث السابق.
وقوله:"الذي لا يَجْري" قيل: هو تفسير للدائم، وإيضاح لمعناه. وقيل: احترز به عن راكد يجري بعضه، كالبرك. وقيل: احترز به عن الماء الدائر؛ لأنه