جارٍ من حيث الصورة، ساكن من حيث المعنى. وقال ابن الأنباري: الدائم من حروف الأضداد، يقال للساكن والدائر، ومنه أصاب الرأس دوامٌ، أي: دُوار، ويطلق على البحار والأنهار الكبار التي لا ينقطع ماؤها أنها دائمة، بمعنى أن ماءها غير منقطع. وقد اتفق على أنها غير مرادة هنا، وعلى هذا فقوله:"الذي لا يجري" صفة مخصصة لأحد معنى المشترك، وهذا أولى من حمله على التأكيد الذي الأصل عدمه. ولا يخفى أنه لو لم يقل:"الذي لا يجري" لكان مجملًا، بحكم الاشتراك الدائر بين الدائر والدائم، وحينئذ فلا يصح العمل على التأكيد.
وقيل: الدائم والراكد مقابلان للجاري، لكن الدائم هو الذي له نبعٌ، والراكد الذي لا نبع له.
وقوله:"ثم يغتسل" بضم اللام على المشهور، وجوَّز ابن مالك الجزم عطفًا على "يبولنَّ"، لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية، ولكنه بُني على الفتح لتوكيده بالنون.
ومنع القرطبي ذلك، فقال: لو أراد النهي لقال: ثم لا يغتسِلنَّ، فحينئذ يتساوى الأمران في النهي عنهما؛ لأن المحل الذي تواردا عليه شيء واحد، وهو الماء، فعُدوله عن ذلك يدُل على أنه لم يُرِد العطف، بل نبَّه على مآل الحال، والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه، فيمتنع عليه استعماله. ومثَّلَه بقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يضربنَّ أحدُكم امرأته ضربَ الأمة ثم يضاجعُها" فإنه لم يروه أحد بالجزم؛ لأن المراد النهي عن الضَّرب؛ لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها، فتمتنع لاساءته إليها، فلا يحصُل له مقصوده، وتقدير اللفظ: ثم هو يضاجعها. وفي حديث الباب: ثم هو يغتسل منه.
وتعُقِّب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطِف عليه نهي آخر غير مؤكد، لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر.
وقال القُرطبي: لا يجوز النصب، إذ لا تُضمر أن بعد ثم.