وتعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون المنهي عنه الجمع بين الأمرين، دون إفراد أحدهما.
وضعَّفه ابن دقيق العيد، بأنه لا يلزم أن يدُل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيُؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب، ويُؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر، كحديث مسلم عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه نهى عن البول في الماء الراكد". وعنده أيضًا عن أبي هُريرة بلفظ:"لا يغتسِلْ أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنب". وروى أبو داود النهي عنهما في حديث واحد بلفظ:"لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسِل فيه من الجنابة".
واستدل به بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل؛ لأن البول ينجِّس الماء، فكذلك الاغتسال، وقد نهى عنهما معًا، وهو للتحريم، فيدل على النجاسة فيهما. ورُدَّ بأنها دِلالة اقتران، وهي ضعيفة، وعلى تسليمها فلا تلزم التسوية، فيكون النهي عن البول لئلا ينجِّسَه، وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبَهُ الطُّهورية، ويزيد ذلك وضوحًا قولُه في رواية مسلم: كيف يفعل يا أبا هُريرة؟ قال:"يتناوله تناولًا" فدل على أن المنع من الاغتسال فيه لئلا يصير مستعملًا، فيمتنع على الغير الانتفاع به، والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره.
قال في "الفتح": وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور، وقد تقدمت الأدلة على طهارته.
قلت: هذا على مذهبه من أن النهي للتحريم. وحمل مالك النهي عن الاغتسال في الماء الراكد على التنزيه، ومحل الكراهة عنده إذا لم يستبحر جدًّا، بحيث لا يؤثر فيه الاغتسال، وأن لا تكون له مادة، وإلا فلا كراهة، وأن لا يحصُل له التنجيس بالاغتسال، وأن لا يكون في ملكه، وإلا مُنع في الأول، وأبيح في الثاني.