ومذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور أنه لا يُتوضأ به بحال.
واحتجت الأحناف بحديث ابن مسعود حيث قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن:"ماذا في إداوتِك؟ " قال: نبيذ. قال:"تمرة طيبة، وماء طهور" رواه أبو داود والترمذي، وزاد:"فتوضأ به". وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه. وقيل على تقدير صحته: إنه منسوخ، لأن ذلك كان بمكة، ونزول قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[المائدة: ٦]، إنما كان بالمدينة بلا خلاف، أو هو محمول على ما ألقيت فيه تمرات يابسة لم تُغير له وصفًا، وإنما كانوا يصنعون ذلك لأن غالب مياههم لم تكن حلوة. قاله في "الفتح".
وأجاب العيني عن التضعيف بأنه إنما حصل من رواية أبي زيد له عن ابن مسعود، وهو رجل مجهول، وقد رواه أربعة عشر رجلًا عن ابن مسعود، كما رواه أبو زيد وتتبعها، يعني أنه بكثرة الطرق المتعددة المخارج ينتقل عن رتبة الضعف إلى رتبة الحسن.
وأجاب عن النسخ بأنه مردود، قال: وجه الرد ما ذكره الطبراني في "الكبير"، والدارقطني، أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهمز له بعقبه، فأنبع الماء، وعلَّمه الوضوء. وقال السُّهَيْلي: الوضوء مكي، ولكنه مدني التلاوة، وإنما قالت عائشة رضي الله عنها: آية التيمم، ولم تقل: آية الوضوء؛ لأن الوضوء كان مفروضًا قبلُ، غير أنه لم يكن قرآنًا يُتلى حتى نزلت آية التيمم. وحكى عِياض عن أبي الجَهْم أن الوضوء كان سُنة حتى نزل به القرآن بالمدينة.
قلت: هذا الجواب في غاية السقوط كما ترى، فإنه ليس فيه إلاَّ أن الوضوء كان بمكة، وهذا لا تعرُّض فيه لمنع نسخ الوضوء بالنبيذ إن صح بالتيمم، فوجه الدلالة على النسخ هو أن الله تعالى حصر الطهارة في الوضوء بالماء، وفي التيمم بالتراب عند عدم الماء، والنبيذ ليس من الماء ولا من التراب، وهي مدنية متأخرة عن الحديث إن كان صحيحًا، فأفادت أن من لم يجد الماء يتيمم لا يتوضأ بنبيذ ولا غيره.