للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ذلك، وهو مراد من قال: حد منع شربه أن يتغير.

وقد قال أبو عبيدَة في الأشربة: بلغني أن المنصّف يُسكر، فإن كان كذلك فهو حرام.

والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأعناب في البلاد، فقد قال ابن حزم: إنه شاهد من العصير ما إذا طُبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكرًا أصلًا، ومنه ما إذا طُبخ إلى النصف كذلك، ومنه ما إذا طُبخ إلى الربع كذلك، بل قال: إنه شاهد منه ما يصير ربًّا خاثرًا لا يُسكر، ومنه ما لو طُبخ حتى لا يبقى غير ربعه لا يخثُر ولا ينفك السكر عنه، قال: فوجب أن يُحمل ما ورد عن الصحابة من أمر الطلاء على ما لا يُسكر بعد الطبخ.

وقد ثبت عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال: إن النار لا تُحِلُّ شيئًا ولا تحرِّمه. أخرجه النسائي، وقال: إنه يريد ما نُقل عنه في الطلاء. وأخرج أيضًا عن طاووس، قال: هو الذي يصير مثل العسل، يُؤكل ويُصب عليه الماء.

وما ورد عن الصحابة في أمر الطلاء منه ما مرَّ عن عمر. ومنه ما أخرجه سعيد بن منصور عن عامر بن عبد الله، قال: كتب عمر إلى عمار: أما بعد، فإنه جاءني عِير تحمل شرابًا أسود كانه طلاء الإبل، فذكروا أنهم يطبخونه حتى يذهب ثُلثاه الأخبثَان، ثلث بريحه، وثلث ببَغْيه، فمُر من قِبَلَك أن يشربوه. وعن سعيد بن المسيِّب أن عمر أحلَّ من الشراب ما طُبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه. وأخرج النسائي عن عمر قال: كتب عمر: اطبخوا شرابَكم حتى يذهب نصيب الشيطان منه، فإن للشيطان اثنين ولكم واحد.

وهذه أسانيد صحيحة، وقد أفصح بعضُها بأن المحذور منه السكر، فمتى أسكر لم يحلَّ، وكأنه أشار بنصيب الشيطان إلى ما أخرجه النسائي عن ابن سِيرين في قصة نوح عليه السلام، قال: لما ركب السفينة فقد الحَبْلة، يعني: المكرمة، وهي بفتح الحاء وسكون الموحدة. فقال له الملك: إن الشيطان أخذها، ثم أُحضِرت له ومعها الشيطان، فقال له الملك: إنه شريكُك فيها،

<<  <  ج: ص:  >  >>