للمجمل الذي هو مجيء الحق، والملك هو جبريل، فقد جاءه يوم الاثنين، لسبع عشرة خلت من رمضان، والنبي ابن أربعين سنة، قاله ابن سعد.
وقوله:"فقال: اقرأ" يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتَّيَقُّظ، لما سيُلقى إليه، وأن يكون على بابه من الطلب، فيُسْتَدلُّ به على تكليف ما لا يُطاق في الحال، وإن قدر عليه بعد.
وقوله:"قال: ما أنا بقارىء" أي ثلاثًا، و"ما" نافية، واسمها "أنا"، وخبرها "بقارىء"، والباء زائدة لتأكيد النفي، أي ما أحسن القراءة، وضعف كونها استفهامية بدخول الباء في خبرها، وهي لا تدخل على ما الاستفهامية، وقيل: إنها استفهامية بدليل رواية أبي الأسود في "مغازيه" عن عُروة أنه قال: كيف أقرأ؟ ورواية عُبيد بن عُمر: ماذا أقرأ؟ ودخول الباء على الخبر المثبت جائز عند الأخْفَش.
وقوله:"فأخَذَني فغَطَّني حتى بَلَغَ مني الجَهْد" غطني بغين معجمة وطاء، وفي رواية الطَّبري، بتاء مثناة من فوق، يعني: ضَمَّني، وعَصَرني، والغَطُّ: حبس النفس، ومنه غَطَّهُ في الماء، أو أراد غمني، ومنه الخنق. والجَهْد روي بالنصب وفتح الجيم، أي بلغ الغط مني غاية وسعي، ففاعل بلغ على هذا ضمير الغط المفهوم من الفعل السابق؛ وروي بالرفع وضم الجيم، أي بلغ مني الجهد مبلغه، ورجع بعضهم على رواية النصب ضمير فاعل "بلغ" على جبريل، فيكون جبريل بلغ غاية وسعه، وأُورِدَ على هذا أن البنية البشرية لا تتحمل استنفاذ القوة الملكية، وأُجيب بأن جبريل في حالة الغط لم يكن على صورته الحقيقية، فيكون استفراغ جهده بحسب الصورة التي تجلى بها في حالة الغط، وحينئذ يضمحل الإِيراد.
وقوله:"فأَرْسَلَني" أي: أطلقني، وهذا الغط ليفرغه عن النظر إلى أمور الدنيا، ويقبل بكليته إلى ما يلقى إليه، وكرره للمبالغة، واستدل به