الاعتزال عن الناس، ولا سيما من كان على باطل من جملة العبادة، وقيل: كان يتعبد بالتفكر.
ودل الحديث على أن خلوته حكم مرتب على الوحي, لأن كلمة "ثم" للترتيب، فالخلوة مرتبة على الرؤيا الصالحة، التي هي من الوحي، وأيضًا لو لم تكن من الدين، لَنُهي عنها، بل هي ذريعة لمجيء الحق، وظهوره مباركًا عليه، وعلى أمته، تأسيسًا وسلامة من المناكير وضررها؛ وللخَلوة شروط مذكورة في كتب القوم، واختلف هل كان - صلى الله عليه وسلم -، قبل البعث متعبدًا على شريعة أحد أم لا؟ والثاني هو قول الجمهور، وعلى الأول اختلف فيه على ثمانية أقوال، قيل: آدم، وقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى، وقيل: بشريعة من قبله من غير تعيين، وقيل جميع الشرائع شَرْعٌ له، وهذا عندي قريب من الذي قبله، ثامنها: الوقف.
وقوله:"قبل أن يَنْزِعَ إلى أهله" نَزَعَ كرَجَع زنةً ومعنىً.
وقوله:"ويَتَزَوَّد لذلك" بالرفع عطفًا على يتحنث، والتزود استصحاب الزاد.
وقوله:"ثم يرجِعُ إلى خديجة فيَتَزَوَّد لمثلها" وتخصيص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل يحتمل أنه تفسير بعد الإِبهام، أو إشارة إلى اختصاص التزود بكونه من عندها دون غيرها. وفيه أن الانقطاع الدائم عن الأهل ليس من السنة، لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينقطع في الغار بالكلية، بل كان يرجع إلى أهله لضروراتهم، ثم يَخْرُجُ لِتَحَنُّثِهِ. وخديجة يأتي تعريفها.
وقوله:"حتى جاءه الحق وهُو في غار حراء" والحق المراد به الوحي.
وقوله:"فجاءه المَلك" الفاء تفسيرية كهي في قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}[البقرة: ٥٤] لأن مجيء الملك تفصيل