الذكر من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن فعله"، وهو عند النسائي عن البراء، وزاد في أوله:"ثم قال: بسم الله، اللهم أسلمت نفسي إليك". وعند الخرائطي في مكارم الأخلاق بلفظ:"كان إذا آوى إلى فراشه قال: اللهم أنت ربي ومليكي وإلهي لا إله إلا أنت، إليك وجَّهت وجهي ... الحديث".
وقوله:"وقيل: اللهم أسلمت وجهي إليك" كذا لأبي ذر وأبي زيد، ولغيرهما:"أسلمت نفسي إليك"، قيل: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات والشخص، أي: أسلمت ذاتي وشخصي لك، وفيه نظر للجمع بينهما في رواية أبي إسحاق بلفظ:"أسلمت نفسي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، ووجَّهت وجهي إليك". وجمع بينهما أيضًا في رواية العلاء بن المسيّب الآتية في الدعوات، وزاد خَصْلة رابعة، ولفظه:"أسلمت نَفْسي إليك، ووجَّهت وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأت ظهري إليك"، فعلى هذا، فالمراد بالنفس هنا الذات، وبالوجه القصد والعمل الصالح.
ومعنى أسلمت، أي: استسلمت وانقَدْت، أي: جعلت نفسي مُنقادة لك في أوامرك ونواهيك، متابعة لحُكمك، إِذ لا قُدرة لي على تدبيرها، ولا على جلب ما ينفعها إليها، ولا دفع ما يضُرها عنها، مفوض إليك تفعل بها ما تريد، واستسلمت لما تفعل، فلا اعتراض عليك فيه.
وقوله:"وفوضتُ أمري إليك"، أي: توكلت عليك في أمري كله، وبرِئْت من الحول والقوة إلا بك، فاكِفني همه.
وقوله:"وألجاتُ ظهري إليك" أي: اعتمدت في أموري عليك لتُعينني على ما ينفعني؛ لأن من استند إِلى شيء تقوّى به واستعان به، وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه.
وقوله:"رغبةً ورهبةً إليك" أي: رغبة في رِفْدك وثوابك، ورهبة، أي: خوفًا من غضبك ومن عقابك، فأسقط من مع ذكر الرهبة، وأعمل إلى مع ذكر الرغبة، لتعدي رغب بـ"إلى"، وهذا من باب الاكتفاء، كقول الشاعر: