وقوله:"يرجُفُ فؤادهُ" بضم جيم "يرجفُ"، أي يخفِق ويَضْطَرِبُ، والفؤاد القلب، أو باطنه أو غشاؤه، لما فَجَأَهُ من الأمر المخالف للعادة، والمألوف، فنفر طبعه البشري، وهاله ذلك، ولم يتمكن من التأمل في تلك الحالة؛ لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها.
وقوله:"زَمِّلوني، زَمِّلوني" بكسر الميم مع التكرار مرتين من التزميل، وهو التلفيف، وقال ذلك لشدة ما لحقه من هول الأمر، والعادة جارية بسكون الرِّعدة بالتلفف.
وقوله:"فزَمَّلوهُ حتى ذَهَبَ عنه الرَّوع" بفتح ميم زملوه، والروع -بفتح الراء- الفزع.
وقوله:"لقد خشيت على نفسي" وهذه الخشية اختلف العلماء فيها، فقيل: خشي الموت من شدة الرعب، أو المرض، أو أنه لا يطيق حمل أعباء الوحي لما لقيه أولًا عند لقاء الملك، وليس معناه الشك في أن ما أتى من الله، أو العجز عن النظر إلى الملك من الرعب، أو عدم الصبر على أذى قومه، أو تكذيبهم إياه، أو أن يقتلوه، أو تعييرهم إياه، أو مفارقة الوطن، وأُكِّدَ باللام وقد، تنبيهًا على تمكن الخشية من قلبه المقدس، وخوفه على نفسه الشريفة.
وقوله:"كلّا واللهِ لا يُخْزيكَ الله أبدًا" كلا معناها النفي والإِبعاد، أي لا تقل ذلك، أو لا خوف عليك، ويُخْزيك -بضم أوله وسكون الخاء المعجمة، وزاي مكسورة بعدها مثناة تحتية- من الخِزْي، أي لا يفضحك الله، وروي بالحاء المهملة من الحزن، والزاي مضمومة من الثلاثي، أو بضم أوله من الرباعي، يقال: حُزْنُهُ وأحزانه، ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبدًا بأمر استقرائي، فقالت:"إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَكْسِبُ المعدوم، وتَقْري الضيف، وتُعين على نوائب الحق". وإنك بكسر الهمزة، لوقوعها في الابتداء، لأنها جواب لسؤال مقدر، كأنها لما قالت ما قالت: قيل لها: وما السبب