وقوله:"إلَّا عُودي" في رواية، في التفسير "إلا أوذي"، فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفاتهم، ولأنه علم من الكتب أن لا يجيبونه لذلك، وأنه يلزمه حينئذٍ منابذتهم ومعاداتهم، فتنشأ العداوة من ثم. وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يُجيب به إذا اقتضاه المقام.
وقوله:"وإِنْ يُدرِكني يومُك" بجزم "يدركني" بـ "أنْ" الشرطية، وفي رواية زيادة:"حيًّا"، وفي رواية:"إن أدركتُ ذلك اليوم"، يعني يوم الإِخراج، ولما كان ورقة سابقًا، واليوم متأخرًا أسند الإِدراك إلى اليوم، لأن المتأخر هو الذي يدرك السابق.
وقوله:"أَنْصركَ نصرًا مُؤزرًا" أي قويًا، مأخوذٌ من الأَزْر، وهو القوة، يحتمل أن يكون من الإِزار، إشارة بذلك إلى تشميره في ضرته، قال الأخطل:
قومٌ إذا حارَبوا شَدَّوا مَآزِرَهُم ... دونَ النساءِ ولو باتت بأطهارِ
وقوله:"ثم لم يَنْشَب ورقة أن تُوفّي، وفَتَرَ الوحي" أي لم يلبَث، فهو كلَبِثَ زنةً ومعنى. وأصل النُّشوب التعلق، أي لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات، وهذا يخالف ما في السيرة لابن اسحاق من أن ورقة كان يَمُرُّ ببلال يُعَذَّبُ، وهذا يقتضي أنه تأخر إلى زمن الدعوة؛ ويمكن الجمع بأن يقال: الواو في قوله: "وفتر الوحي" ليست للترتيب، فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرًا بعد ذلك في أمر من الأمور، فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه، لا إلى ما هو الواقع، ويأتي في تعريفه قريبًا جميع ما قيل في شأنه. وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان، وكان ذلك ليذهب ما كان - صلى الله عليه وسلم - وجده من الرَّوعْ، وليحصُلَ له التشوق إلى العود، فقد روى المؤلف في التعبير ما يدُلُّ على ذلك، وكانت مدة فترة الوحي ثلاث سنين على ما جَزَم به ابن إسحاق، ورواه أحمد في "تاريخه" عن الشَّعْبِيّ، وفي بعض الأحاديث أنها قدر سنتين ونصف،