صينية، فيها تمر فأعادها مملوءة ذهبًا، وكان يتخذ لأصحابه الفالوذَج، ويعمل فيه الدنانير، ليحصل كل من أكل كثيرًا أكثر من صاحبه. وقال الحارث بن مِسكين: اشترى قوم من الليث تمره بمال، ثم إنهم ندموا، فاستقالوه، فأقالهم، ثم استدعاهم، فأعطاهم خمسين دينارًا، وقال: إنهم أمَلُوا أملًا، فأحببت أن أعوضَهم.
ومن ثنائه عليه في الفقه ما قال حَرْمَلة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: الليث أنفع للأثر من مالك. وقال أحمد بن عبد الرحمن بن وَهْب: سمعت الشافعي يقول: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقُوموا به، وفي رواية: ضيعه قومه، وفي أخرى ضيعه أصحابه، ومعنى تضييع أصحابه له، هو أنهم لم يُدَوِّنوا فقهه كما دون فقه مالك. وقال يحيى بن بُكيْر: الليث أفقه من مالك، ولكن كانت الحظوة لمالك. وقال سعيد بن أيوب: لو أن مالكًا والليث اجتمعا، كان مالك عند الليث أبكم، ولباع الليث مالكًا فيما يريد. وقال سعيد بن أبي مَرْيم: ما رأيت أحدًا من خلق الله تعالى أفضل من الليث، وما كانت خَصْلةٌ يُتقَرَّبُ بها إلى الله تعالى، إلا كانت في الليث.
وقال أبو يَعلى: كان إمام وقته بلا مُدافعة، وكان ابن وَهْب يومًا يقرأ عليه "مسائل" الليث، فمرت به مسألة، فقال رجل من الغرباء: أحسن والله الليث، كأنه كان يسمع مالكًا يجيب فيجيب، فقال ابن وَهْب للرجل: بل كان مالك يسمع الليث يجيب فيجيب هو، والله الذي لا إله إلا هو، ما رأينا أحدًا أفقه من الليث. وقال هارون بن سعيد: سمعت ابن وَهْب، وذكر اختلاف الأحاديث والناس، فقال: لولا أني لقيت مالكًا والليث لضللت. وقال شُرَحبيل بن جَميل: أدركت الناس زمن هشام بن عبد الملك، والناس إذ ذاك متوافرون، وكان بمصر يزيد بن أبي حبيب، وغيره، والليث إذ ذاك شاب، وإنهم ليعرفون له فضله، وورعه, ويقدمونه. وقال ابن بُكير: ورأيتُ من رأيتُ فلم أر مثل الليث، وفي رواية: ما رأيت أكمل من الليث، كان فقيه البدن، عربيَّ اللسان،