قبل البعثة، ومما سمعته من بَحيرا الراهب في حقه، لما سافر معه ميسرة في تجارة خديجة، وأسند الواقِدِّي قصة تزويجه بها عن نَفِيسَة بنت مُنْيَة، أخت يَعْلى ابن مُنْيَة، قالت: كانت خديجة امرأة، جلدة، شريفة، كثيرة المال، ولما تأيمت كان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فلما أن سافر النبي - صلى الله عليه وسلم - في تجارتها ورجع بربح وافر، رغبت فيه، فأرسلتني رسيسًا إليه، فقلت له: ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال: ما في يدي شيء، فقلت: فإن كُفيت، ودُعيت إلى المال, والجمال، والكفاءة، قال: ومن؟ قلت: خديجة، فأجاب.
وروى ابن المدائِنِيّ بسند له عن ابن عباس "أن نساء أهل مكة اجتمعن في عيدٍ لَهُنَّ في الجاهلية، فتمثل لهن رجل، فلما قرب منهن نادى بأعلى صوته، يا نساء مكة إنه سيكون في بلدكن نبي، يقال له أحمد، فمن استطاع منكن أن يكون زوجًا له فَلْتَفْعَل، فحَصَبْنَهُ إلَّا خديجة فإنها عَضَّت على قوله ولم تُعَرِّض له.
وقد أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على خديجة ما لم يثن على غيرها، وذلك في حديث عائشة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يومًا من الأيام، فأخذتني الغَيْرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزًا من العرب قد أبدلك الله خيرًا منها؟، فغضب، وقال: لا والله ما أبدلني خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني فيها الله الولد دون غيرها من النساء، قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبة أبدًا.
وعن عائشة أيضًا أنها قالت: ما غِرْت على امرأة ما غِرْت على خديجة، وما بي أن أكون قد أدركتها, ولكن ذلك لكثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها، وإنه كان ليذبح الشاة فيتتبع بذلك صدائق خديجة, يهديها لهن.
وفي "الصحيح" عن عائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة يقول: