وأما ورقة، فهو ورقة -بفتح الراء- بن نَوْفل بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ القرشي الأسدي.
قال الكِرْماني: لا شك أنه كان مؤمنًا بعيسى عليه الصلاة والسلام، وأما الإِيمان بنبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلم يعلم أن دين عيسى قد نُسخ، ولئن ثبت أنه كان منسوخًا في ذلك الوقت، فالأصح أنه آمن, لأن الإِيمان التصديق، وهو صدق، ولم يذكر ما ينافي ذلك، وقال ابن مَنْدة: اختلف في إسلام ورقة، وظاهر قوله في الحديث: يا ليتني فيها جذعًا، وما بعده يَدُلُّ على إسلامه، وذكر ابن إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخبره، قال له ورقة: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، وفي "مستدرك" الحاكم وصححه قائلًا: إنه على شرط الشيخين من حديث عائشة: أن النبي، عليه الصلاة والسلام قال: رأيت الفتى، يعني ورقة بن نوفل، وعليه ثياب من حريرٍ، لأنه أول من آمن بي وصَدَّقَني، وأخرج ابن عَدِيّ في "الكامل" عن جابر ابن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"رأيت ورقةَ في بطنان الجنة، عليه السُّنْدُسُ، وقال الزُّبَيْر: كان ورقة قد كرِهَ عبادة الأوثان، وطلب الدين في الآفاق، وقرأ الكتب، وكانت خديجة تَسأله عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول لها: ما أراه إلا نبي هذه الأمة الذي بَشَّرَ به موسى، وعيسى".
وأخرج الزُّبَيْر بن بَكّار عن عُروة بن الزُّبَيْر، قال: كان بلال لجارية من بني جُمَح، وكانوا يعذبونه برمضاءِ مكة، يُلْصِقون ظهره بالرَّمضاء، لكي يُشْرِكَ، فيقول: أحدٌ أحدٌ، فيمُرُّ به ورقة، فيقول: أحد أحد يا بلال! والله! لئن قتلتموه لأتخذنه حنانًا، وهذا يدُلُّ على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإِسلام، حتى أسلم بلال، والجمع بين هذا وحديث عائشة أن يُحمل قوله: ثم لم يَنْشَب ورقة أن توفي، أي قبل أن يشتهر الإِسلام، ويؤمر النبي بالجهاد، ويُعَكِّر على هذا حديث عكرمة، عن ابن عباس، بنحو حديث عائشة، وفي آخره: لَئِنْ كان هُو، ثم أظهرَ اللهُ دينهُ، وأنا حيٌّ، لأُبْلِيَنَّ الله من نفسي في طاعة رسوله، وحسن مؤازرتهِ، فمات ورقة على نصرانيتهِ، لكن فيه عُثمان بن عَطاء، وهو ضعيفٌ،