الولد حيضًا؟ وهذا مذهب الكوفيين وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل والثوري والأوزاعي، وإليه ذهب الشافعي في القديم، وقال في الجديد: إنها تحيض. وبه قال إسحاق. وعن مالك روايتان.
قلت: مذهب مالك أن الحامل تحيضُ، ولحيضها تفصيل، فما كان بعد الدخول في الثالث تجلِسُ له خمسة عشر إلى عشرين، وهكذا إلى ستة، وما كان بعد الدخول في السادس تجلِسُ له عشرين إلى شهر، وما قبل الثلاثة، قيل: حكمه حكم الحائل من مبتدأة ومعنادة، وقيل: حكمها حكم صاحبة الثلاثة.
قال في "الفتح": وفي الاستدلال بالحديث على أنها لا تحيض نظر؛ لأنه لا يلزم من كون ما يخرُجُ من الحامل هو السقط الذي لم يُصَوَّر أن لا يكون الدم الذي تراه المرأة التي يستمرُّ حملها ليس بحيض، وما ادّعاه المخالف من أنه رَشْحٌ من الولد أو من فضلة غذائه يحتاج إلى دليل.
وما وَرَدَ في ذلك من خبر أو أثر، كما رواه ابن شاهين عن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنهما قالا: إن الله تعالى رفع الحيض عن الحُبلى، وجعل الدَّم رزقًا للولد مما تفيض الأرحام. وما رواه الأثرم والدارقطني عن عائشة في الحامل ترى الحيض، فقالت: الحبلى لا تحيضُ، وتغتسِلُ وتصلّي. كله لا يثبت؛ لأن هذا دم بصفات دم الحيض، وفي زمن إمكانه، فله حكم دم الحيض، فمن ادّعى خلافه فعليه البيان.
واستدل ابن المُنير على أنه ليس بدم حيض بأن المَلَك موكَّل برحم الحامل، والملائكة لا تدخل بيتًا فيه قَذَر، ولا يُلائِمها ذلك. وأُجيب بأنه لا يلزم من كون الملك موكّلًا بالرحم أن يكون حالًّا فيه، ثم هو مُشْتَرَكُ الإِلزام؛ لأن الدم كله قذر.
ومن أقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتُبِر بالحيض، لتحقق براءة الرحم من العمل، فلو كانت الحامل تَحيضُ لم تتمَّ البَراءة بالحيض.