للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين قول الملك: يا ربِّ نطفة، يا ربِّ علقة، يا ربِّ مُضغة أربعون يومًا، لا في وقتٍ واحد، وإلا لكانت النطفة علقة مضغة في ساعة واحدة.

وقد بيَّنَ المرادَ حديثُ ابن مسعود الآتي في كتاب القدر عند المصنِّف: "إن خَلْقَ أحدِكُم يُجمع في بطن أُمه أربعين يومًا، ثم يكونُ علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعثُ الله مَلَكًا، فيُؤمر بأربعة: برزقه، وأجله، وشقيٌّ أو سعيدٌ، ثم ينفُخُ فيه الروح ... إلخ" فحديث ابن مسعود هذا بجميع طرقه يَدُلُّ على أن الجنين يتقلَّب في مئة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار، كل طورٍ منها في أربعين، ثم بعد تكملتِها يُنفخ فيها الروح.

وقوله: "فإذا أراد أن يَقْضِيَ خَلْقَه" أي: أن يُتم خَلْقَ ما في الرَّحِم من النُّطفة التي صارت عَلَقة، ثم مضغة.

وقوله: "أذكرٌ أم أُنثى؟ " التقدير: أهو ذكرٌ أم أُنثى، فذَكَرٌ خبر للمبتدأ المقدر، أو التقدير: أذكر هو أم أُنثى، فذكرَ مبتدأ، وسوَّغ الابتداء به وإن كان نكرةً تخصيصُه بثبوت أحد الأمرين، إذ السؤال فيه عن التعيين، وللأصيلي: أذكرًا أم أُنْثى بالنصب. بتقدير: أتخلُقُ ذكرًا أم أُنثى.

وقوله: "شقيٌّ أم سعيدٌ" بحذف أداة الاستفهام لدِلالة السابق عليه، وفيه من الإِعراب ما في الذي قبله.

والشقِيُّ عند الأشاعرة: مَن وَجَبَتْ له النار، بمقتضى ما في الأزل. والسعيد: مَن وَجَبت له الجنة بمقتضى ما في الأزل. وعند الحنفية: الشقي: العاصي، والسعيد: المطيع. فالشقيُّ عندَهم قد يَسْعَد، والسعيد قد يَشْقى، لكن بالنسبة إلى الأعمال الظاهرة، وأما ما في علم الله تعالى فلا يتغيّر.

وتمسك الأولون بهذا الحديث وأمثاله، كقوله في "الصحيحين": "ما مِنْكم من أحد إلا وقد كُتِبَ مقعدَهُ من النار أو مقعدَهُ من الجنة". وتمسَّكَ الحنفيةُ بمثل قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩].

والحقُّ أن النزاع لفظي، فالذي سَبَق في علم الله لا يتغيّر ولا يتبدّل، والذي

<<  <  ج: ص:  >  >>