أوشِك أن أُفارقَكم، فجعل يسألهم: ما تقولون في كذا؟ وشُريح ساكت، ثم سأله، فلما فَرَغَ منهم، قال: اذهب، فأنت من أقضى الناس، أو من أفضل العرب، وفي رواية: فأنت أقضى العرب.
وتزوج شُرَيْحُ امرأة من بني تميم تُسمّى زَيْنب، فنَقَم عليها، ثم ضربها، فندم، فقال:
أأضرِبُها مِن غيرِ ذَنْبٍ أتَتْ به ... فما العدلُ مِنّي ضرب مَنْ ليسَ مذنبا
فزينبُ شمسٌ والنِّساء كواكِبُ ... إذ طَلَعَتْ لم تُبْقِ منهنَّ كَوْكَبا
ويُروى أن زِياد بن أبيه كَتَبَ إلى معاوية: يا أمير المؤمنين: قد ضبطتُ لكَ العراقَ بشمالي، وفَرَغَتْ يميني لطاعتك، فولِّني الحجاز. فبلغ ذلك عبد الله بن عمر، وكان مقيمًا بمكة، فقال: اللَّهم اشْغَلْ عنّا يمين زِياد، فأصابه الطاعون في يمينه، فجمعَ الأطبّاء واستشارَهُم، فأشاروا عليه بقطعها، فاستَدْعَى شُرَيْحًا، وعرض عليه ما أشار به الأطباء. فقال له: لك رزقٌ معلومٌ وأجَلٌ محتومٌ، وإني أكره إن كانت لك مُدة أن تعيشَ في الدُّنيا بلا يمينٍ، وإن كان قد دَنا أجلُك أن تلقى ربَّكَ مقطوعَ اليد، فإذا سألك: لم قطعتها؟ قلت: بُغضًا في لقائك، وفِرارًا من قضائك. فمات زياد من يومه. فلام الناس شُريْحًا على منعه له من القَطْع لبُغضْهم له. قال: إنه استشارني، والمُستشار مؤتَمَنٌ، ولولا الأمانةُ في المشورة لودِدْتُ أنَّهُ قطَعَ يده يومًا، ورِجلَه يومًا، وسائرَ جَسدِه يومًا.
روى عن: النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا، وعن عُمر، وعلي، وابن مسْعود، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وغيرهم.
وروى عنه: أبو وائل، والشَّعبي، وقَيْس بن أبي حازم، وابنا سِيرين: محمد وأنس، وابن أبي صَفِيّة، ومجاهد بن جَبْر، وإبراهيم النَّخَعي.