الإفاضة، فكيف يقول:"لعلها تحبِسُنا؟ " وإن كان ما علِمَ، فكيف يريد وقاعها قبل التحلُّل الثاني.
ويُجاب عنه بأنه عليه الصلاة والسلام ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنته نساؤه في طواف الإفاضة، فأذن لهنَّ، فكان بانيًا على أنها قد حلّت، فلما قيل له: إنها حائض، جوَّز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة، فاستفهم عن ذلك، فأَعلمته عائشة أنها طافت معهنَّ، فزال عنه ما خشيه من ذلك.
وقوله:"قال: فاخرُجي" بالإفراد؛ لأن طواف الوداع ساقِطٌ بالحيض، وهو خطاب لصفيّة، أي: قال لصفية مخاطبًا لها: "اخرُجي". وفيه التفات من الغَيْبة، أي:"ألم تكن طافت". إلى الخطاب، أو خاطب عائشة؛ لأنها المخبرة له، أي: اخُرجي، فإنها توافقك. أو قال لعائشة: قولي لها: اخرُجي. وفي رواية المُسْتَملي والكشُميهني:"اخرُجْنَ" وهي مناسِبة للسياق، وفي رواية أبي سَلمة:"اخرُجوا"، وفي رواية عائشة في المغازي:"فَلْتَنْفِر"، وفي رواية عائشة في الحج:"وحاضت صفيَّةُ"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عقْرى، حلقى، إنك حابستُنا، أما كُنتِ طُفْتِ يوم النحر؟ " قالت: بلى. قال:"فلا بأس، انْفِري". ومعَاني هذه الروايات متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من مِنى أو المحصب إلى المدينة.
وقوله في هذه الرواية:"عَقْرى حَلْقى" بالفتح فيهما ثم السكون، وبالقصر بغير تنوين في الرواية، ويجوز لغة، وصوَّبَهُ أبو عُبيد؛ لأن معناه الدعاء بالعَقْر والحَلْق كما يُقال: سُقيا ورُعيا، ونحو ذلك من المصادر التي يُدعى بها. وعلى الأول هو نعتٌ لادعاء.
ثم معنى عقرى: عَقَرها الله، أي: جرحها، وقيل: جَعَلَها عاقرًا لا تلِدُ. وقيل: عَقَر قومها. ومعنى حَلْقى: حَلَقَ شعرهَا، وهو زينة المرأة، أو أصابها وجع في حلقها، أو حَلَقَ قومَها بشُؤْمِها، أي: أهلكهم.
وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين