الكلمتين، ثم اتَّسع العرب في قولهما من غير إرادة حقيقتهما، كما قالوا: قائلة العر، وتَرِبَت يداه، ونحو ذلك.
قال القرطبي وغيره: شتان ما بين قوله عليه الصلاة والسلام هذا لصفية، وبين قوله لعائشة لما حاضت معه في الحج: هذا شيء كتبه الله علي بنات آدم، لما يَشْعُرُ به من الميل لها، والحنوِّ عليها، بخلاف صفية.
قال في "الفتح": ليس دليل على اتّضاع قدر صَفِيّة عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النُّسك، فسَلاّها بذلك، وصفيّة أراد منها ما يريد الرجل من أهله، فأبدت المانع، فناسب كلاًّ منهما ما خاطبها به في تلك الحالة.
قلت: ما قاله يرُدُّ عليه ما أخرجه مسلم من أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد أن ينفِرَ إذا صفيّةُ على باب خِبائها كئيبة حزينة، فقال:"عقرى .. الحديث"، ففي هذا الحديث أن صفيّة وقع لها ما وقع لعائشة من الحزن، ومع ذلك قال لها ما قال، فيكون الظاهر ما قاله القُرطبي وغيره. وكان حيضها ليلة النَّفْر من المحصب.
وفي الحديث دلالة على أن أمير الحاجِّ يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل مَن تحيض ممن لم تَطُف للإِفاضة.
وتعقب باحتمال أن يكون ارادته عليه الصلاة والسلام تأخير الرحيل إكرامًا لصفيّة، كما احتبس بالناس على عقد عائشة.
قلت: الاحتباس على العِقْدِ لا يبعد أن يكون واجبًا، لما فيه من المحافظة على عدم إضاعة المال، والحديث الذي أخرجه البزّار عن جابر والبَيْهَقي عن أبي هُريرة مرفوعًا:"أميران وليس بأميرين، من تَبِعَ جِنازة فليس له أن ينصَرِف حتى تُدفن أو يأذن أهلها، والمرأة تَحُجُّ أو تعتمِرُ مع قومٍ، فتحيضُ قبلَ طَواف الرُّكن، فليس لهم أن ينصرِفوا حتى تَطْهُر أو تأذن لهم" في اسنادة ضعف شديد، فلا يُستدل به على الوجوب.