للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهار، ولأنه لو عرج نهارًا لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب، ولم يحصل ما وقع من الفتنة على من شقي وجحد.

وأيضًا فإن الله تعالى أكرم جماعة من أنبيائه بأنواع الكرامات ليلًا. قال تعالى في قصة إبراهيم {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام: ٧٦]. وفي قصة لوط {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [الحجر: ٦٥]. وفي قصة يعقوب {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: ٩٨] وكان آخر دعائه إلى وقت السحر من ليلة الجمعة، وقرب موسى نجيًا ليلًا، وذلك قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [النمل: ٧]. وقال: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: ١٤٢]. وقال لما أمره بخروجه من مصر ببني إسرائيل {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الدخان: ٢٣]. وأكرم نبينا أيضًا ليلًا بأمور منها: انشقاقُ القمر، وإيمان الجن به، ورؤية الصحابة آثار بزاهم كما ثبت في صحيح مسلم، وخروجه إلى الغار ليلًا، وأيضًا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سراجٌ، والسراج لا يوقد إلَّا ليلًا، وبدرٌ والبدر لا يرى إلَّا ليلًا. قال الشاعر:

وعد الحب بالزيارة ليلًا ... فإذا ما وفي قضيت نذوري

قلت: يا سيدي وَلِمْ تؤثر الليلَ ... على بهجةِ النهار المنيرِ؟

قال: لا أستطيع تغيير رسمي ... هكذا الرسم في طلوع البدور

إنما زرت في الظلام لكيما ... يشرق الليل من أشعة نوري

ولله در الإِمام البوصيريّ حيث يقول:

سريت من حرم ليلًا إلى حرم ... كما سرى البدر في داجٍ من الظلم

وفي الحديث أيضًا أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه عالج الناس قبله وجربهم. ويستفاد منه تحكيم العادة والتنبيه بالأعلى على الأدنى، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانًا من هذه الأمة، وقد قال موسى إنه عالمهم على أقل من ذلك، فما وافقوه. ويستفاد أن مقام الخلة مقام الرضى والتسليم، ومقام

<<  <  ج: ص:  >  >>