للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكليم مقام الإدلال والانبساط، ومن ثَمّ استبد موسى عليه السلام بأمر النبي عليه الصلاة والسلام بطلب التخفيف دون إبراهيم عليه السلام، مع أن للنبي عليه الصلاة والسلام من الاختصاص بإبراهيم أزيد مما له بموسى، لمقام الأبوة، ورفعة المنزلة، والاتباع في الملة. وقيل: الحكمة في ذلك ما أشار إليه موسى عليه السلام في نفس الحديث، من سبقه إلى معالجة قومه في هذه العبادة بعينها، وأنهم خالفوه وعصوه.

وفيه أن الجنة والنار قد خلقتا، لقوله في بعض الطرق التي مرت "عرضت عليّ الجنة والنار" وفيه استحباب الإكثار من سؤال الله تعالى، وتكثير الشفاعة عنده، لما وقع منه في إجابته مشورة موسى في سؤال التخفيف. وفيه فضيلة الاستحياء، وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها، وإن لم يستشر الناصح في ذلك. وفيه صعوده عليه الصلاة والسلام ببدنه الشريف.

وكيف يتصور الصعود إلى السموات بالجسم الإنساني الكثيف؟ والجواب أن الأرواح أربعة أقسام: الأول الأرواح الكدرة بالصفات البشرية، وهي أرواح العوام، غلبت عليها القوى الحيوانية، فلا تقبل العروج أصلًا. والثاني الأرواح التي لها كمال القوة النظرية للبدن، باكتساب العلوم، وهذه أرواح العلماء. والثالث الأرواح التي لها كمال القوة المدرة للبدن باكتساب الأخلاق الحميدة، وهذه أرواح المرتاضين، إذ كسروا قُوى أبدانهم بالارتياض والمجاهدة. والرابع الأرواح التي حصل لها كمال القوتين، فهذه غاية الأرواح البشرية، وهي أرواح الأنبياء والصديقين، فكما ازداد قوة أرواحهم ازداد ارتفاع أبدانهم من الأرض، ولهذا لما كان الأنبياء، صلوات الله عليهم، كملت فيهم هذه الأرواح عرج بهم إلى السماء، وأكملهم قوةً نبينا عليه الصلاة والسلام، فعرج به إلى قاب قوسين أو أدنى.

قلت: الجواب الحسن عندي هو ما تقدمت الإشارة إليه في أول بدء الوحي، من أن الأنبياء متصفون بالروحانية جِبلَّة، فيحصل لهم من الصعود بسبب ذلك ما يحصل للملائكة بدون إشكال، وأيضًا لا سبب للإشكال، فإنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>