للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبريل عليك، وقوله: "فاستمع له وأَنْصِت"، قاله ابنُ عباس في تفسير قوله تعالى {فَاتَّبِعْ}، والاستماع من باب الافْتِعال المقتضي للسعي في ذلك، أي: لا تكون قراءَتُك مع قراءته، بل تكون تابعةً لها متأخرةً عنها، وقوله: "وأنصِت" -بهمزة قطع- مِن الإِنصات، وفيه نَصَت ينصُت نَصْتًا، ومعناه: سكت واستمع للحديث، أي تكون حال قراءته ساكتًا، والاستماع أخصُّ من الإِنصات, لأنَّ الاستماعَ الإِصغاءُ، والإِنصاتَ السكوتُ، ولا يلزم من السكوت الإِصغاء.

وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] فَسَّرهُ ابن عباس بقوله: ثم إن علينا أنْ نقرأه، وفَسَّره غيرُه ببيان ما أشكل عليك من معانيه، وفيها دليلٌ على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، لا عن وقت الحاجة، لما تقتضيه، ثُمَّ مِنَ التَّراخي، ولكنَّ هذا لا يَتِمُّ إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حُمل على أن المراد استمرار حفظه له بظهوره على لسانه فلا، والبيانُ: الإِظهار، يقال: بانَ الكوكبُ إذا ظهرَ، ويؤيدُ هذا أن المرادَ بيانُ جميعِ القرآنِ والمُجمل إنما هو بعضه، ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض، وقال أبو الحسين البَصْري: يجوز أن يُراد البيان التفصيليُّ، ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإِجمالي، فلا يتمُّ الاستدلال، وتُعُقِّب باحتمال إرادة المعنيين: الإِظهار والتفصيل، وغير ذلك, لأنَّ قوله: بيانه، جنس مضافٌ، فيعم جميعَ أصنافه من إظهاره، وتبيين أحكامه، وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة طه: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [الآية: ١١٤] فنهاه فيها عن الاستعجال في تلقي الوحي من المَلَك، ومسابقته في القرآن حتى يَتِمَّ وحيُه.

وقوله: "فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أتاه جبريلُ اسْتَمَع، فإذا انطلق جبريل قَرَأَهُ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما قرأ". وفي رواية: "كما قرأه"، بضمير المفعول أي: القرآن، والفاعل ضميرُ جبريل، وفي رواية: "كما كان قَرَأ"، والحاصل أن الحالةَ الأولى

<<  <  ج: ص:  >  >>