للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب ابن عبد البر وجماعة إلى ترجيح ما اتفق عدم الوقوع، فيقدم من روى عنه الإثبات من الصحابة، وذهب آخرون إلى الجمع بينها، قال البَيهقيّ: عندي أن المراد بقولها "ما رأيته سبحها" أي داوم عليها، وقولها "وإنّي لأسبحها" أي أداوم عليها. وكذلك قولها "وما أحدث الناسَ شيئًا" تعني المداومة عليها.، قال: وفي بقية الحديث الذي تقدم من رواية مالك إشارة إلى ذلك، حيث قالت "وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمله، خشية أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم" وحكى المحُبّ الطبريّ أنه جمع بين قولها "ما كان يصلي إلَّا أن يجيء من مغيبه" وقولها "كان يصلي أربعاً، ويزيد ما شاء الله" بأن الأول محمول على صلاته اياها في المسجد، والثاني على البيت. قال: ويعكر عليه حديثها "ما رأيته سبح سبحة الضحى" ويجاب عنه بأن المنفي مخصوصة.

وقال عياض وغيره: قولها ما صلاّها، معناه ما رأيته صلاها، والجمع بينه وبين قولها "كان يصليها" أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها. وقيل في الجمع أيضًا: يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ، من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يصليها إذا قدم من سفر، لا بعدد مخصوص ولا بغيره، كما قالت "يصلي أربعًا ويزيد ما شاء الله". وحديث عائشة يدل على ضعف ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه" وعدها لذلك جمع من العلماء من خصائصه، ولم يثبت ذلك في خبر صحيح.

وقول الماورديّ في "الحاوي" إنه واظب عليها بعد يوم الفتح إلي أن مات، يعكر عليه ما رواه مسلم عن أم هانىء "أنه لم يصلها قبل ولا بعد" ولا يقال إن نفي أم هانىء لذلك بلزم منه العدم، لأنا نقول يحتاج من أثبته إلى دليل، ولو وجد لم يكن حجة، لأنّ عائشة ذكرت أنه كان إذا عمل عملًا أثبته، فلا تستلزم المواظبة على هذا الوجوب عليه. وأخرج البخاريّ عن أبي هريرة قال: "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة

<<  <  ج: ص:  >  >>