أوْلى بالمنع، والمراد بالمسجد الحرام هنا الحَرَم كله.
وقوله: لا يطوف بالبيت عُريان، فيه حجة لمن لايشترط ستر العورة في الطواف كما يشترط في الصلاة، والمخالف في ذلك الحنفية، قالوا: ستر العورة في الطواف ليس بشرط، فمن طاف عريانًا أعاد ما دام بمكة، فإن خرج لزمه دم. وذكر ابن اسحاق في سبب هذا الحديث، أن قريشًا ابتدعت في الجاهلية، قبل الفيل أو بعده، أنْ لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلاّ في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عريانًا، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ، ثم لم ينتفع بها. فجاء الإسلام فهدم ذلك كله.
والمراد بالتأذين في الحديث الإعلام، وهو اقتباس من قوله تعالى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[التوبة: ٣]، أي إعلام، وكون أبي بكر بعث أبا هُريرة في مؤذنين قال الطحاويّ في مشكل الآثار: إنه مشكل، لأن الأخبار في هذه القصة تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بعث أبا بكر بذلك، ثم أتبعه عليًا، فأمره أن يؤذن، فكيف يبعث أبو بكر أبا هُريرة، ومن معه بالتأذين مع صرف الأمر عنه بذلك إلى عليّ، ثم أجاب بأن أبا بكر كان الأمير على الناس في تلك الحجة بلا خلاف، وكان علي هو المأمور بالتأذين بذلك، وكان عليًا لم يطق التأذين بذلك وحده، احتاج إلى من يعينه على ذلك، فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره، ليساعدوه على ذلك، ثم ساق من طريق المحرز بن أبي هريرة عن أبيه قال: كنت مع عليّ حين بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- "ببراءة" الى أهل مكة، فكنت أنادي معه حتى يَصْحَلَ صوتي، وكان هو ينادي قبلي حتى يعيى. وأخرجه أحمد وغيره أيضًا من طريق محرز بن أبي هُريرة.
والحاصل أن مباشرة أبي هريرة لذلك كانت بأمر أبي بكر، وكان ينادي بما يلقيه إليه عليّ، مما أُمر بتبليغه، وقد أشار البخاريّ إلي هذا الحديث في باب وجوب الصلاة في الثياب، ومرَّ بعض الكلام عليه واستيفاؤه إن شاء الله تعالى هنا. وقوله: قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف ... إلخ، وهذا القدر من الحديث مرسل، لأن حميدًا لم يدرك ذلك، ولا صرح بسماعه له من أبي هريرة.