وقال بعضهم: كان حميد بن عبد الرحمن حمل قصة توجه عليّ من المدينة إلى أن لحق أبا بكر من غير أبي هُريرة، وحمل بقية القصة كلها من أبي هريرة، لكن قد ثبت إرسال عليّ من عدة طرق موصولًا، فروى الطبريّ عن أبي صالح عن عليّ قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة، وبعثه على الموسم، ثم بعثني في أثره فأدركته فأخذتها منه، فقال أبو بكر: ما لي؟ قال: خيرٌ، أنت صاحبي في الغار، وصاحبي على الحوض، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني. وعند الطبراني عن أبي رافع نحوه، لكن قال: فأتاه جبريل فقال: إنه لن يؤديها عنك إلَّا أنت أو رجل منك. وروى الترمذيّ، وحسنه، وأحمد عن أنس قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- براءة مع أبي بكر، ثم دعا عليًا فأعطاها إياه وقال: لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلَّا رجل من أهلي.
وهذا يوضح قوله في الحديث السابق "لا يبلّغ عني" ويعرف منه المراد خصوص القصة المذكورة لا مطلق التبليغ. وعند أحمد من حديث علىّ "لما نزلت عشر آيات من براءة، بعث بها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال: أدركْ أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله، أَنَزَل فيّ شيء؟ فقال: لا، إلَّا أنه لن يؤدي" أو "لكن جبريل قال: لن يؤدي إلّا أنت أو رجل منك" قال العماد بن كثير ليس المراد أن أبا بكر رجع من فوره، بل المراد رجع من حجته، وهذا مثل قوله السابق: فقال أبو بكر: ما لي ... إلخ.
وقال في "الفتح" لا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة، وأما قوله عشر آيات، فالمراد أولها؛ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة: ٢٨] وقد قال العلماء: إن الحكمة في ارسال عليّ بعد أبي بكر أن عادة العرب جرت بأن العهد لا ينقضه إلَّا من عقده أو من هو منه بسبيل، من أهل بيته، فأجراهم في ذلك على عادتهم، ولهذا قال: لا يبلغ عني إلَّا أنا أو رجل من أهل بيتي. وقيل: انما لم يقتصر النبي -صلى الله عليه وسلم- على تبليغ أبي بكر عنه ببراءة؛ لأنها تضمنت مدح أبي بكر، فأراد أن يسمعوها من غير أبي بكر، وهذا غفلة من قائله، حمله على ظنه