للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن المراد تبليغ براءة كلها، وليس الأمر كذلك على الصحيح. فإن المأمور بتبليغه منها أوائلها فقط، كلما يأتي قريبًا، ويأتي حديث جابر أنه قرأها حتى ختمها.

والجمع بين ذلك وقوله "أن يُؤذِن ببراءة" يجوز فيه التنوين بالرفع على الحكاية وبالجر، ويجوز أن يكون علامة على الجر فتحة، على أنها علم للسورة، وهو الثابت في الروايات. وقوله: فأذن معنا عليّ .. الخ. قال الكرماني: فيه إشكال؛ لأن عليًا كان مأمورًا بأن يُؤِذن ببراءة، فكيف يُؤذن بأنْ لا يحج بعد العام مشرك؟ ثم أجاب بأنه أذنَ براءة، ومن جملة ما اشتملت عليه، أن لا يحج بعد العام مشرك، من قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨]، ويحتمل أن يكون أمران يُؤذِن ببراءة، وبما أُمر أبو بكر أن يُؤذِن به أيضًا، وقد تضافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان ينادي به هو ومن معه من قبل أبي بكر شيئان: منعُ حج المشركين، ومنع طواف العريان، وأن عليًا أيضًا كان ينادي بهما وكان يزيد "من كان له عهد فعهده إلى مدته، وأن لا يدخل الجنة إلَّا مسلم" وكان هذه الأخيرة كالتوطئة لأن لا يحج البيت مشرك. وأما التي قبلها، فهي التي اختُصَّ عليّ بتبليغها.

وفي قوله: يؤذن ببراءة، تجوّز؛ لأنه أمران يُؤذِن ببضع وثلاثين آية، منتهاها عند قوله تعالى {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣] فروى الطبري عن محمد بن كعب وغيره قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أميرًا على الحج سنة تسع، وبعث عليًا بثلاثين أو أربعين آية من براءة. وروى الطبريّ أيضًا عن أبي الصّهباء قال: سألت عليًا عن يوم الحج الأكبر فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعث أبا بكر يقيم الحج للناس، وبعثني بعده بأربعين آية من براءة، حتى أتى عرفة فخطب، ثم التفت إليّ فقال: يا عليّ، قم فأدِّ رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقرأت أربعين آية من أول براءة، ثم صدرنا حتى رميتُ الجمرة، فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم؛ لأن الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>