الجُعرانة كان عتاب بن أَسيد، وأما حجة أبي بكر فكانت سنة تسع. قال في الفتح: يرفع الإشكال بأن المراد بقوله: ثم أمّر أبا بكر، يعني بعد أن رجع إلى المدينة، وطوى ذكر من ولي الحج سنة ثمان، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رجع من العمرة إلى الجُعرانة، فأصبح بها، توجه هو ومن معه إلى المدينة، إلى أن جاء أوان الحج، فأمر أبا بكر وذلك سنة تسع وليس المراد أنه أمر أبا بكر أن يحج في السنة التي كانت فيها عمرة الجُعرانة.
وقوله: على تلك الحجة، يريد الآتية بعد رجوعهم إلى المدينة. واستدل بقول أبي هُريرة: بعثني أبو بكر في تلك الحجة يوم النحر، على أن حجّة أبي بكر كانت في ذي الحجة ولم يخالف في ذلك إلَّا مجاهد وعكرمة بن خالد فإنهما قالا انها كانت في ذي القعدة. أخرجه ابن سعد عن مجاهد بإسناد صحيح، والحاكم في الإكليل عن عكرمة. وقول أبي هُريرة هذا دليلٌ عليهما، وأُجيب. بأنه إن ثبت قولهما، يكون المراد بيوم النحر صبيحة يوم الوقوف، سواء كان الوقوف وقع في ذي القعدة، أو في ذي الحجة. نعم، روى ابن مردويه عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده قال: كانوا يجعلون عامًا شهرًا وعامًا شهرين، يعني يحجون في شهر واحد مرتين في سنتين، ثم يحجون في الثالث في شهر آخر غيره. قال: فلا يقع الحج في أيام الحج إلَّا في كل خمس وعشرين سنة، فلما كان حج أبي بكر وافق ذلك العام شهر الحج، فسماه الله تعالى الحج الأكبر.
ولم يبق من مباحث هذا المحل إلَّا بيان ما قيل في قوله تعالى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}[التوبة: ٢] وقد مرّ لك حديث سعيد بن منصور وغيره، عن عليّ أن من كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر، واستدل بهذا الحديث على أن قوله تعالى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} يختص بمن لم يكن له عهد مؤقت، أو لم يكن له عهد أصلًا، وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته. وروى الطبريّ عن ابن إسحاق قال: هم صنفان، صنف كان له عهدٌ دون أربعة أشهر، فأُمهل إلى تمام أربعة أشهر، وصنف كانت له مدة عهده بغير أجل، فقصرت على أربعة أشهر. وروي أيضًا عن ابن عباس