للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القرطبيّ: حديث أنس وما معه إنما ورد في قضايا معينة في أوقات مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية، أو البقاء على أصل الإباحة، ما لا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه؛ لأنه يتضمن إعطاء حكم كليّ، وإظهار شرع عام، فكان العمل به أَوْلى، ولعل هذا هو مراد المؤلف بقوله: وحديث جرهد أحوط.

وأجابوا عن حديثَيْ عائشة وحفصة السابقين بما قاله أبو عمر: الحديث الذي رووه عن حفصة فيه اضطراب، وقال البيهقيّ: قال الشافعيّ: والذي روي في قصة عثمان من كشف الفخذين مشكوك فيه؛ لأن الراوي قال "فخذيه" أو "ساقيه" كما في بعض الروايات، وقال الطَّبريّ في "تهذيب الآثار" الأخبار التي رويت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دخل عليه أبو بكر وعمر، وهو كاشف فخذه، واهية الإِسناد، لا تثبت بها حجة في الدِّين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها، أخبار صحاح. ومما احتج به القائلون بأنه ليس بعورة قول أنس في هذا الحديث "وإن ركبتي لَتَمسُّ فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-" إذ ظاهره أن المس كان بدون حائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز، وقالوا: إنّ رواية مسلم، ومن وافقه، في أن الإزار لم ينكشف بقصد منه عليه الصلاة والسلام، يمكن الاستدلال بها على أن الفخذ ليس بعورة من جهة استمراره على ذلك؛ لأنه، وإن جاز وقوعه من غير قصد، لكن لو كان عورة، لم يقر على ذلك، لمكان عصمته -صلى الله عليه وسلم-، ولو فُرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار، لكان ممكنًا، لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيانُ عقبه، كما وقع في قصة السهو في الصلاة، وسياقه عند أبي عُوانة والجَوزقي عند عبد العزيز، ظاهر في استمرار ذلك، ولفظه "فأجرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، وإني لأرى بياض فخذيه".

هذا ما قيل في أوله: الفخذ من الطرفين، وقد مر عند قول المصنف: وحديث أنس أسند، بيان مَن قال إنه عورة، ومن قال إنه غير عَورة، وحقيقة العورة من الرجل والأَمة قُنة أو ذات سائبة ما بين سُرَّة وركبة، وكذلك من الحرة

<<  <  ج: ص:  >  >>