لا في أخذ أفضلهن؛ لأنها كانت من بيت النبوءة من ولد هارون عليه السلام، وبيت الرياسة لأنها بنت سيد قريظة والنضير، مع الجمال، فلما رآه أخذ أنفس السبي نسبًا وشرفًا وجمالًا استرجعها منه، لئلا يتميز دَحْيَة على سائر الجيش، مع أن فيهم من هو أفضل منه، وأيضًا لما فيه من انتهاك حرمتها مع علو مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره مما لا يخفى، فكان اصطفاؤه عليه الصلاة والسلام لها قاطعًا لهذه المفاسد؛ لأنه عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق في هذه الأوصاف، بل في سائر الأخلاق الحميدة.
وذكر الشافعيّ في الأم، عن سِيرة الواقديّ، أنه عليه الصلاة والسلام أعطى دحية أخت كِنانة بن الربيع بن أبي الحَقيق، وكان زوج صفية، فكأنه عليه الصلاة والسلام طيّب خاطره لمّا استرجع منه صفية، بأن أعطاه أخت زوجها وفي سيرة ابن سيد الناس أنه أعطاه ابنتَيْ عم صفية. وفي رواية لمسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اشترى صفية منه بسبعة أرؤس، وإطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز، وليس في قوله "سبعة أرؤس" ما ينافي قوله هنا "خذ جارية" إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة.
وقوله: أعتقها وتزوجها، أَخذ بظاهره من القدماء سعيدُ بن المسيب وإبراهيم النخعيّ وطاوس والزُّهريّ، ومن فقهاء الأمصار الثَّوريّ وأبو يوسف وأحمد وإسحاق. قالوا: إذا أَعتقَ أَمَتَه على أن يجعل عتقها صداقها، صح العقد والعتق والمهر. وذهب الجمهور كمالك وأبي حنيفة والشافعيّ ومحمد وزُفَر واللَّيث وابن شُبْرُمة إلى أنه ليس لأحد أن يفعل هذا، فيتمَّ له النكاح بدون صداق، غير النبي -صلى الله عليه وسلم-. لأن الله تعالى لما جعل له أن يتزوج بغير صداق، كان له أن يتزوج على العِتاق الذي ليس بصَدَاق. ثم إن فعل هذا وقع العتاق، ولها عليه مهر المِثل، فإن أبت أن تتزوجه تسعى له في قيمتها عند أبي حنيفة ومحمد، وقال مالك وزفر: ولا شيء له عليها. وفي الأحكام لابن بُزيزة، وقال الشافعيّ وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن: ان كرهت نكاحه غرمت له قيمتها، فإنْ كانت مُعْسِرة استسعت في ذلك، وقال مالك وزفر: وإن كرهت فهي حرة، ولا