شيء له عليها، إلا أنْ يقول: لا أعتق إلَّا على هذا الشرط، فإن كرهت لم تعتق؛ لأنه من باب الشرط والمشروط. وأغرب التِّرمذيّ فقال: إن الشافعيّ قائل بقول أحمد، والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح، ونص الشافعيّ على أن من أعتق أمته على أن يتزوجها، فقبلت، عتقت ولم يلزمها أن تتزوج به، لكن يلزمها له قيمتها، لأنه لم يرض بعتقها مجانًا، فصار كسائر الشروط الفاسدة، فإن رضيت وتزوجته على مهر يتفقان عليه، كان لها ذلك المسمى، وعليها له قيمتها، فإن اتحدا تقاصّا.
وممن قال بقول أحمد من الشافعية ابن حبان، صرح بذلك في صحيحه. وقال ابن دقيق العيد: الظاهرُ مع أحمد ومن وافقه، والقياس مع الآخرين، فيتردد الحال بين ظن نشأ عن قياس، وبين ظن نشأ عن ظاهر الخبر، مع ما تحتمله الواقعة من الخصوصية، وهي، وإن كانت على خلاف الأصل، لكن يتقوى ذلك بكثرة خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- في النكاح، وخصوصًا خصوصيته بتزويج الواهبة من قوله تعالى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٠] ... الآية، وممن جزم بأن ذلك من الخصائص يحيى بن أكثم فيما أخرجه البيهقيّ قال: وكذا نقله المزنيّ عن الشافعيّ. قال: وموضع الخصوصية أنه أعتقها مطلقًا، وتزوجها بغير مهر ولا ولي ولا شهود، وهذا بخلاف غيره.
وقال القرطبيّ: منع من ذلك مالك وأبو حنيفة لاستحالته، وتقرر استحالته من وجهين: أحدهما أن عقدها على نفسها إما أن يقع قبل عَتقها، وهو محال، لتناقض الحكمين: الحرية والرق، فإن الحرية حكمها الاستقلال، والرق ضده. وإما بعد العَتق، فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق، فيجوز أن لا ترضى وحينئذ لا نكاح إلا برضاها. الوجه الثاني: أنّا إذا جعلنا العتق صَداقًا فإما أن يتقرر العتق حالة الرق، وهو محال لتناقضهما، أو حالة الحرية فيلزم أسبقيته على العقد، فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه، وهو محال لأن الصَّداق لابد أن يتقدم تقرره على الزوج إما نصًا وإما حكمًا، حتى تملك الزوجة طلبه، فإن اعتلوا بنكاح التفويض، فقد تحرزنا منه بقولنا "حكمًا" فإنها، وإن لم يتعين لها