مسبية من قريظة والنضير. وهذا لا تقوم به حجة، لضعف إسناده، ويعارضه ما أخرجه الطبرانيّ وأبو الشيخ عن صفية نفسها قالت: أعتقتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجعل عتقي صداقي، وهذا موافق لحديث أنس، وفيه رد على من قال: إن أنسًا قال ذلك بناء على ما ظنه.
وقد خالف هذا الحديث أيضًا ما عليه كافة أهل السير، من أن صفية من سبي خيبر، قلت: يمكن أن يكون قوله "مسبية" راجع إلى رزينة لا إلى صفية، إذا لم يثبت أن رزينة من غير قريظة والنضير، ولم أرهم توخوا لنسبها في تعريف الصحابة، ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكها بغير مهر، فلزمها الوفاء بذلك، وهذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيره. ويحتمل أنه أعتقها بغير عوض، وتزوجها بغير مهر في الحال، ولا في المال. قال ابن الصلاح: معناه أن العتق يحل محل الصداق، وان لم يكن صداقًا. قال: وهذا كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. قال: وهذا الوجه أصح الأوجه، وأقربها إلى لفظ الحديث، وتبعه النوويّ في الروضة، وهو من خصائصه عليه الصلاة والسلام.
وأخرج الطحاويّ عن ابن عمر في قصة جُوَيرية بنت الحارث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل عتقها صداقها، وهو مما يتأيد به حديث أنس، لكن أخرج أبو داود عن عائشة في قصة جُويرية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما جاءت تستعين به في كتابتها:"هل لك أن أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟ قالت: نعم، قال: قد فعلت". واستشكله ابن حزم بأنه يلزمه منه إن كان أدى عنها كتابتها أن يكون ولاؤها لمكاتبها.، وأجيب بأنه ليس في الحديث التصريح بذلك؛ لأن معنى قوله "قد فعلت" رضيت، فيحتمل أن يكون -صلى الله عليه وسلم- عوَّض ثابت بن قيس عنها، فصارت له، فأعتقها وتزوجها، كما صنع في قصة صفية، أو يكون ثابت، لما بلغه رغبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهبها له.
وقوله: حتى إذا كان بالطريق، يعني سد الصهباء، وهي على بَريد من خيبر، غلط من قال سد الروحاء؛ لأنها على نيف وثلاثين ميلًا من المدينة من جهة مكة. وقوله: فأهدتها له من الليل، بالهمز، وفي بعض الروايات "فهدتها" بغير همزة. وصُوِّبِ لقول الجوهريّ: الهداءُ مصدر هديت أنا المرأة إلى زوجها.