تنفل في النهار بأقل من ركعتين، فكانت الركعتان متحققًا وقوعهما، لما عرف بالاستقراء من عادته، فعلى هذا فقوله "ركعتين" من كلام ابن عمر، لا من كلام بلال؛ وقد وجد ما يؤيد هذا.
ويستفاد منه جمع آخر بين الحديثين، وهو ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث "فاستقبلني بلال فقلت: ما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هنا؟ فأشار بيده السّبّابة والوُسطى "أي صلى ركعتين" فعلى هذا يحمل قوله "نسيت أن أسأله كم صلّى" على أنه لم يسأله لفظًا، ولم يجبه لفظًا، إنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته، لا بنطقه. أو يحمل على أن مراده بهذه الكلمة، أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أو لا، وأما قول بعض المتأخرين: يجمع بين الحديثين بأن ابن عمر نسي أن يسأل بلالًا، ثم لقيه مرة أخرى فسأله، ففيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن الذي يظهر أن القصة وهي سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة لم تتعدد؛ لأنه أتى في السؤال بالفاء المعقبة في الروايتين معًا، فقال في هذه: فأقبلت. ثم قال: فسألت بلالًا، وقال في الأخرى: فبدرت فسألت بلالًا، فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدًا في وقت واحد.
ثانيهما: أن راوي قول ابن عمر "ونسيت" هو نافع مولاه، ويبعد، مع طول ملازمته له إلى وقت موته، أن يستمر على حكاية النسيان، ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلًا، وأما ما نقله عياض من أن قوله "ركعتين" غلط من يحيى بن سعيد القطَّان؛ لأن ابن عمر قال: نسيت أن أسأله كم صلّى، فهو كلام مردود، والعجب من تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خَفِي عليه وجه الجمع بين الحديثين. ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط، فقد تابعه أبو نعيم عند البخاريّ والنَّسائيّ، وأبو عاصم عند ابن خُزيمة، وعمر بن عليّ عند الإِسماعيليّ، وعبد الله بن نمير عند أحمد، كلهم عن سَيف، ولم ينفرد سيف أيضًا، فقد تابعه خُصَيف عن مجاهد عند أحمد، ولم ينفرد مجاهد عن ابن عمر، فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد والنَّسائيّ، وعمرو بن دينار عند أحمد.