قلت: هم في حالة التشهد، وإن كان اللفظ بصيغة الخطاب، لم يقصدوا خطابه، إذ لو قصدوه لجهروا له به ليُسمعوه. ويدل على ذلك استمراره بعد موته عليه الصلاة والسلام في البلاد النائية التي لا يمكن قصد الخطاب منها، بل إنما ورد اللفظ بالخطاب ليلة الإِسراء له عليه الصلاة والسلام من رب العزة، واستمر اللفظ على ما ورد عليه.
قالوا: ويحتمل أن يقال: ما دام النبي -صلى الله عليه وسلم- يراجع المصلي، فجائز له جوابه حتى تنقضي المراجعة، فلا يختص الجواز بالجواب، لقول ذي اليدين: بلى قد نسيت، ولم تبطل صلاته.
قلت: قول ذي اليدين جواب ليس بخارج عنه. وقالت الحنفية: لا يجوز الكلام في الصلاة إلاّ بالتكبير والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن. ولا يجوز أن يتكلم فيها لأجل شيء حدث من الإِمام في الصلاة، والكلام يبطل الصلاة، سواءً كان عامدًا أو ناسيًا أو جاهلًا، وسواءً كان إمامًا أو منفردًا، وهو مذهب إبراهيم النخعيّ وقتادة وحماد بن أبي سليمان وعبد الله بن وهب وابن نافع من أصحاب مالك. واحتجوا في ذلك بحديث معاوية بن الحكم السلميّ، أخرجه مسلم مطولًا، وأخرجه أبو داود والنَّسائيّ، وفيه "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" قالوا: إن هذا نص صريح في تحريم الكلام في الصلاة، سواء كان عامدًا أو ناسيًا، لحاجة أو غيرها، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها، فإن احتاج إلى تنبيه إمام ونحوه سبّح إن كان رجلًا، وصفقت إن كانت امرأة.
والتصفيق ضرب ظاهر إحدى يديها على باطن الأخرى. وقيل: بأصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى للإنذار. وقالوا: إن حديث ذي اليدين الدال على إباحة الكلام لإصلاح الصلاة كان قبل تحريم الكلام في الصلاة، وهذا مردود لأنه اعتمد قول الزهريّ إنها كانت، أي قصة ذي اليدين، قبل بدر. وهو وهم: أو تعددت القصة لذي الشِّمالين المقتول ببدر، ولذي اليدين الذي تأخرت وفاته بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقد ثبت شهود أبي هريرة للقصة وإسلامه متأخر،