في الصلاة لا يبطلها، كقول مالك وأصحابه سواء، وإنما الخلاف بينهما إن مالكًا يقول: لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها في إصلاحها، وهو قول ربيعة وأحمد بن حنبل، روى الأثرم عنه أنه قال: ما تكلم به الإنسان في صلاته لإِصلاحها لم تفسد صلاته، فإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه. وذكر الخرقيّ عنه أن مذهبه فيمن تكلم عامدًا أو ناسيًا بطلت صلاته، إلا الإِمام خاصة، إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل.
وقيد عند المالكية الكلام لإصلاحها بأن لا يزيد على خمس كلمات، وبأن لا يفهم بالتسبيح وإلا فسدت. وقال الشافعيّ وأصحابه: إن تعمد الكلام وهو يعلم أنه في الصلاة، وأنه لم يتمها، فسدت صلاته، فإن تكلم ناسيًا، أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة لا تبطل. وأجمعوا على أن الكلام عمدًا من عالم أنه في الصلاة غير قاصد لإصلاحها مبطلٌ للصلاة، إلا ما روي عن الأوزاعي من أن من تكلم لإحياء نفسٍ أو نحو ذلك من الأمور العظام لم تفسد صلاته.
وأجابت الشافعية عن حديث الباب وحديث ذي اليدين الدالين على أن الكلام لإصلاحها لا يضر، بأنه عليه الصلاة والسلام لم يتكلم إلا ناسيًا، وأما قول ذي اليدين له: بلى نسيت، وقول الصحابة له؟ صدق ذو اليدين، فإنهم تكلموا معتقدين النسخ في وقت يمكن وقوعه، فتكلموا ظنًا أنهم ليسوا في صلاة، وهذا فاسد؛ لأنهم كلموه بعد قوله عليه الصلاة والسلام "لم تقصر" وأجابوا أيضًا بأنهم لم ينطقوا، وإنما أومؤوا كما عند أبي داود في رواية ساق مسلم إسنادها. وهذا اعتمده الخطابى وقال: حمل القول على الإشارة مجاز سائغ بخلاف غيره، فينبغي أن ترد الروايات التي فيها التصريح بالقول إلى هذه. قلت: كيف يرد الصريح الذي في الصحيح إلى ما هو أضعف منه؟ وأجابوا أيضًا على ترجيح أنهم نطقوا بأن كلامهم كان جوابًا للنبي عليه الصلاة والسلام، وجوابه لا يقطع الصلاة، ورُدَّ هذا بأنه لا يلزم من وجوب الإجابة عدم قطع الصلاة، وأجيب بأنه ثبتت مخاطبته في التشهد وهو حي بقولهم "السلام عليك أيها النبي" ولم تفسد الصلاة، والظاهر أن ذلك من خصائصه.