للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاب من منع السهو مطلقًا عن حديث ذي اليدين بأجوبة، فقيل: قوله "لم أنس" نفي للنسيان، ولا يلزم منه نفي السهو، وهذا قول من فرَّق بينهما، والتفرقة بينهما مردودة، ويكفي من ردها إضافته -صلى الله عليه وسلم- النسيان لنفسه في قوله "أنسى" وإقراره للصحابيّ في قوله "بلى قد نسيت".

وقيل: قوله "لم أنس" على ظاهره وحقيقته، وكان يتعمد ما يقع منه من ذلك، ليقع التشريع منه بالفعل، لكونه أبلغ من القول، وتعقب هذا بحديث ابن مسعود في الباب، ففيه "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون" فأثبت العلة قبل الحكم ... إلخ ما مرَّ قريبًا. وبهذا الحديث يرد قول من قال: معنى قوله "لم أنس" إنكار اللفظ الذي نفاه عن نفسه، حيث قال "إني لا أنسى ولكن أُنَسَّى" وإنكار اللفظ الذي أنكره على غيره، حيث قال: "بئسما لأحدكم أن يقول نسيتُ آية كذا وكذا" وتعقب هذا بأن حديث "إني لا أنسى ولكن أُنَسَّى" من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد. قاله في الفتح.

قلت: البلاغات التي لم توصل أربعة لم يصلها ابن عبد البر، ووصل جميع ما في الموطأ من البلاغات سواها, ولكن وصلها ابن الصلاح في تأليف مستقل، كما ذكره صالح العمريّ الفِلاَّني في حواشيه على ألفية السيوطي في مصطلح الحديث. ثم قال: وأما الآخر، فلا يلزم من ذم إضافته نسيان الآية ذمَّ إضافة نسيان كل شيء، فإن الفرق بينهما واضح جدًا.

وقيل: إن قوله "لم أنس" راجع إلى السلام، أي سلمت قصدًا بانيًا على ما في اعتقادي أني صليت أربعًا، وهذا جيد، وكأنَّ ذا اليدين فهم العموم فقال: بلى قد نسيت، وكان هذا القول أوقع شكًا احتاج معه إلى استثبات الحاضرين، وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل كونُ ذي اليدين عدلًا، ولم يقبل خبره بمفرده، فسبب التوقف فيه كونه أخبر عن أمر يتعلق بفعل المسؤول مغايرٍ لما في اعتقاده.

وقوله: وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه. ولمسلم "فأيكم شك في صلاته فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب" وفي روايته له "فليتحرَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>