ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث:"لَا يسْأَلُ شَيْئًا إلَّا أعْطَاهُ" وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث جابر: "ما سُئِلَ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شَيْئًا، فقال: لا" وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتةٌ لطيفة، وهي أنه لو أخره لَظُنَّ تعلقه بالمرسلة، وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد من الوصف بالأجودية، إلا أنه تَفُوت به المبالغة، لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح مطلقًا. قلت: عندي في هذا نظر، لأن أجوديته عليه الصلاة والسلام إنما تكون بالخير خاصة، وأجوديته إنما تحصل على الريح المرسلة بالخير خاصة لا على غيرها، فلا تظهر هذه النكتة المشار لها.
وفيه جواز المبالغة في التشبيه، وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليُقَرَّبَ لِفَهْم سامِعِهِ، وذلك أنه أثبت له أولًا وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك، فشبه جوده بالريح المرسلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك لأن الريح قد تسكن.
وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإِسناد الحقيقي والمجازي، لأن الجود منه صلى الله تعالى عليه وسلم حقيقي، ومن الريح مجاز، فكأنه استعار للريح جودًا باعتبار مجيئها بالخير، فَأَنْزَلَها منزلةَ من جاد.
وفيه فوائد منها: الحث على الجود مطلقًا والزيادة في رمضان، وعند الاجتماع بأهل الصلاح، وزيارة الصلحاء وأهل الخير، وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكره ذلك، واستحباب الِإكثار من القرآن في رمضان، وكونه أفضل من سائر الأذكار، إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويًا لَفَعَلاه، فإن قيل: المقصود تجويد الحفظ، قلنا: الحفظ كان حاصلًا، والزيادة فيه تَحْصُل ببعض المجالس، وإنه يجوز أن يقال: رمضان من غير إضافة، وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في رمضان، لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان، كما ثبت من حديث ابن عباس، فكان جبريل يَتَعاهده في كل سنة، فيُعارِضه بما نزل عليه من