وقوله:"حينَ يَلْقاه جِبريلُ" أي: لأن في ملاقاته زيادة ترقيه في المقامات، وزيادة اطِّلاعه على علوم الله تعالى، ولا سيما مع مدارسة القرآن.
وقوله:"وكانَ يَلْقاه" الضمير المستتر في كان لجبريل عليه السلام، والبارز في يَلْقاه للنبي عليه الصلاة والسلام، وجوز الكِرْماني العكس، ورجَّحَ الأول بقرينة:"حين يلقاه جبريل" فهو أقرب في الذكر.
وقوله:"فيدارسُهُ القرآنَ" الفاء فيه عاطفة له على يلقاه، والقرآن مفعول ثان على حد: جاذَبْتُهُ الثَّوْبَ، والحكمة في أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس، والغنى سبب الجود، والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة، وأيضًا فرمضان موسم الخيرات، لأن نِعَم الله فيه على عباده زائدة على غيره، فكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله تعالى في عباده، فبمجموع ما ذُكر من الوقت، والمنزول به، والنازل، والمذاكرة، حصل المزيد في الجود. قال الطِّيبيُّ: فيه تخصيص بعد تخصيص، على سبيل الترقي، فَضَّلَ أولًا جوده مطلقًا على جود الناس كلهم، ثم فضل ثانيًا جوده في رمضان على جوده في غيره، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل له على جوده في غيرها من رمضان، وإنما دارسه القرآن لكي يتقرر عنده، ويرسخ أتَمَّ رسوخ، فلا ينساه أبدًا، وهذا إنجاز، كما وعد به رسوله عليه الصلاة والسلام حيث قال له:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}[الأعلى: ٦].
وقوله:"فَلَرَسُول اللهِ أجودُ بالخيرِ من الرِّيحِ المُرسلة" الفاء للسببية، واللام في المبتدأ للتأكيد أو جواب قسم مقدر، يعني أنه في الإِسراع بالجود أسرع من الريح، وعَبَّر بالمرسلة، أي: المطلقة، إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده، كما تَعُمُّ الريح المرسلة جميعَ ما تَهُبُّ عليه.