للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتصفيرَه. وقوله: فَتُفتنَ الناسَ، بفتح المثناة من "فَتَن" وضبط بالضم من أَفْتَنَ، وأنكره الأصمعيّ، وأجازه أبو عبيد فقال: فَتَنَ وأَفْتَنَ بمعنى. قال ابن بطال: كأنَّ عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها، وقال: إنها ألهتني عن صلاتي. قال في الفتح: ويحتمل أن يكون عند عمر بذلك علم خاص بهذه المسألة، فقد روى ابن ماجه عن عمر مرفوعًا "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم".

رجاله ثقات إلا شيخه جُبَارة بن المغلس، ففيه مقال. وعمر قد مرَّ في الأول من بدء الوحي، وهذا طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبويّ. ثم قال: وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلًا. قوله يتباهَون: بفتح الهاء، أي يتفاخرون، وقوله: ثم لا يعمرونها، المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله، وليس المراد بنيانها، بخلاف ما يأتي في ترجمة الباب الذي بعده. وقوله: إلا قليلًا، بالنصب، ويجوز الرفع على البدل من ضمير الفاعل، وهذا التعليق موصول في مسند أبي يعلي، وصحيح ابن خزيمة عن أبي قِلابة أن أنسًا قال: "سمعته يقول: يأتي زمانٌ على أمتي يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا".

وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبّان مختصرًا من وجه آخر، عن أبي قلابة عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد" والطريق الأُولى بمراد البخاري وعند أبي نعيم من الوجه الذي عند ابن خزيمة "يتباهون بكثرة المساجد" وقد مرَّ أنس في السادس من كتاب الإيمان.

ثم قال: وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. قوله: لَتُزَخْرِفُنَّها بفتح لام القسم وضم المثناة وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء، دلالة على واو الضمير المحذوفة عند اتصال نون التوكيد، من الزخرفة، وهي الزينة، وأصل الزخرف الذهب، ثم استعمل في كل ما يتزين به، والنون فيه للتأكيد، وفيه نوع توبيخ وتأنيب. وقوله: كما زخرفت اليهود والنصارى، أي كنائسهم وبيَعِهم، لما حرفوا الكتب وبدّلوها، وضيعوا الدين وعرجوا على الزخارف والتزيين. واستنبط منه كراهية زخرفة المساجد لاشتغال

<<  <  ج: ص:  >  >>