وفيه ما كان عليه السلف من التواضع، وعدم التكبر، وتعاهد أحوال المعاش بأنفسهم، والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، وإكرام طلبة العلم، وتقديم حوائجهم على حوائج أنفسهم، وفيه التأهب لإلقاء العلم، وترك التحديث في حال المهنة إعظامًا للحديث. وقوله: حتى أتى على ذكر بناء المسجد، أي النبويّ. وفي رواية كريمة: حتى إذا أتى. وقوله: لَبنة لَبنة، بفتح اللام وكسر الموحدة: الطوب النيء. وقوله: وعمار لَبِنَتينِ لَبنَتينِ، ذكرهما مكررتين كلبنة: زاد معمر في جامعه "لبنة عنه ولبنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزاد الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرج فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عمار، ألا تحمل كما يحمل أصحابك؟ قال: إني أريد من الله الأجر" وفي الحديث جواز ارتكاب المشقة في عمل البر، وتوقير الرئيس، والقيام عنه بما يتعاطاه من المصالح، وفضل بنيان المساجد.
وقوله: فينفض، فيه التعبير بصيغة المضارع في موضع الماضي، مبالغة لاستحضار ذلك في نفس السامع، كأنه يشاهده. وللكشميهنيّ "فجعل ينفض" ولأبي الوقت وابن عساكر "فنفض" بالماضي، وقوله: التراب عنه، في الجهاد "عن رأسه" وكذا المسلم، وفيه إكرام العامل في سبيل الله، والإحسان إليه بالقول والفعل. وقوله: وهو يقول، أي في تلك الحالة. وقوله: ويح عمار، وهي كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها، كما أن "ويل" كلمة عذاب لمن يستحقها، وهي بفتح الحاء حال الإضافة، فإن لم تُضف جاز الرفع والنصب مع التنوين فيهما.
وقوله: يدعوهم إلى الجنة، أعاد الضمير على غير مذكور، والمراد قَتَلَتُه، كما ثبت من وجه آخر يأتي قريبًا "تقتله الفئة الباغية يدعوهم ... " إِلى آخره، فإن قيل: قَتَلتُه معاوية ومن معه يوم صفين، وقد كان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار، فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعونه إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها، وهو طاعة الإِمام، وكذلك كان عمّار يدعوهم إلى طاعة