للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليّ وهو الإِمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون، للتأويل الذي ظهر لهم، فالمجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر.

والزيادة المذكورة التي هي "تقتل عمار الفئة الباغية" رواها جماعة من الصحابة، منهم أم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند التِّرمذيّ وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النَّسائيّ، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليَسَر وعمار نفسه، وكلها عند الطبرانيّ وغيره، غالب طرقها صحيحة أو حسنة.

وروي عن جماعة آخرين يطول عندهم، ووقعت هذه الزيادة في رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما، عند المصنف، وفي نسخة الصغانيّ، التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربريّ التي بخطه، والزيادة تفصح بأن الضمير يعود على قتلة عمار، وهم أهل الشام، ولفظها "ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم" .. الحديث. وقد أخرجها الإسماعيلي والبرقانيّ في هذا الحديث. ويظهر أن البخاريّ حذفها عمدًا لنكتة خفية، وهي أن أبا سعيد اعترف بأنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما بين ذلك فيما أخرجه البزار عن أبي سعيد، فذكر الحديث في بناء المسجد، وحملهم لبنة لبنة، وفيه "فقال أبو سعيد: فحدثني أصحابي، ولم أسمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: يا ابن سُمَيّة: تقتلك الفئة الباغية" وسمية اسم أم عمار.

وإسناد البزار على شرط مسلم لا على شرط المصنف، وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك، ففي مسلم والنَّسائيّ عن أبي سعيد قال: حدثني من هو خير مني "أبو قتادة" فذكره، فاقتصر البخاريّ على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيره. وهذا دال على دقة فهمه، وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث، وأما قول المهلب إن الضمير في يدعوهم يعود على الخوارج, لأنهم هم الذين بعث إليهم عليٌّ عمارًا يدعوهم إلى الجماعة، فباطلٌ, لأن الخوارج إنما خرجوا على عليّ بعد قتل عمار، إذ لا خلاف أن ابتداء أمرهم كان عقب

<<  <  ج: ص:  >  >>