وقوله: إنكم أكثرتم، أي الكلام في الإنكار على ما فعلته، فحذف المفعول للعلم به. وقوله: بني مسجدًا، حقيقة أو مجازاً، بأن كان آمرًا بذلك، والتنوين في "مسجدًا" للشيوع، فيدخل فيه الكبير والصغير، وعند التِّرمذيّ عن أنس "صغيرًا أو كبيرًا" وزاد ابن أبي شيبة من وجه آخر، عن عثمان "ولو كمَفْحَص قطاة" وهذه الزيادة عند ابن حبّان والبزار عن أبي ذرٍّ، وعند أبي مسلم الكجي عن ابن عباس، وعند الطبرانيّ في الأوسط عن أنس وابن عمر، وعند أبي نعيم في الحلية عن أبي بكر الصديق. ورواه ابن خُزيمة عن جابر بلفظ "كمَفْحَص قطاة أو أصغر" ومفحصها بفتح الميم والحاء، بوزن مَقْعَد، مجثمها لتضع فيه بيضها، وترقد عليها، كأنها تَفْحَص عنه أي تكشفه، والفحص البحث والكشف. وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة, لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه، لا يكفي مقداره للصلاة فيه.
ويؤيده رواية جابر هذه, لأن الشارع يضرب المثل في الشيء الذي لا يكاد يقع، كقوله:"اسمعوا وأطيعوا ولو عبدًا حبشيًا" وقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "الأئمة من قريش" قلت: هذا لا يخالف الحديث الأخير، لحمل الأول ما إذا حصلت إمامته بالتغلب، وقيل: هو على ظاهره، والمعنى أن يزيد في المسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة، هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر. وهذا بناء على أن المراد بالمسجد المكان الذي يتخذ للصلاة فيه، فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود، وهو ما يسع الجبهة، فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر، لكن قوله "بني" يشعر بوجود بناء على الحقيقة، ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة "مَنْ بَنى لله بيتًا" أخرجه سمويه في فوائده بإسناد حسن.
وقوله في رواية عمر "من بني مسجدًا يذكر فيه اسم الله" أخرجه ابن حبّان، وأخرج نحوه النَّسائيّ من حديث عمرو بن عَنْبَسَة، فكل ذلك مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتخذ، لا موضع السجود فقط، لكن لا يمنع إرادة الآخر مجازًا إذ بناء كل شيء بحسبه، وقد شوهد كثير من المساجد في طرق