للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المباشرة بشرطها, لكن المعنى يقتضي دخول الأمر بذلك كما في تقدير "بنى" وهو المنطبق على استدلال عثمان رضي الله تعالى عنه؛ لأنه استدل بهذا الحديث على ما وقع منه، ومن المعلوم أنه لم يباشر ذلك بنفسه.

وقوله: بني اللهُ له، جواب الشرط الذي هو "مَن بَنى" وجملة قال بكير، اعتراضٌ بينهما، وإسناد البناء إلى الله مجاز، وابراز الفاعل لتعظيم ذكره جل اسمه، أو لئلا تتنافر الضمائر أو يتوهم عوده على باني المسجد. وقوله: مثله، صفة لمصدر محذوف، أي بني بناء مثله. ولفظ المثل له استعمالان: أحدهما الإفراد مطلقًا، كقوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} والثاني المطابقة، كقوله تعالى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة، فيحصل جواب من استشكل التقييد بقوله "مثله"، مع أن الحسنة بعشر أمثالها، الاحتمال أن يكون المراد "بني الله له عشرة أبنية مثله" والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل، والزيادة عليه بحكم الفضل.

وأما من أجاب باحتمال أن يكون عليه الصلاة والسلام قال ذلك، قبل نزول قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ففيه بُعد. وكذا من أجاب بأن التقييد بالواحد لا ينفي الزيادة، ومن الأجوبة المرضية أن المثلية هنا بحسب الكمية، والزيادة حاصلة بحسب الكيفية، فكم من بيت خير من عشرة، بل من مئة، وأن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء، لا من غيره، مع قطع النظر عن غير ذلك، مع أن التفاوت حاصل قطعًا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة، إذ موضعُ شبر فيها خير من الدنيا وما فيها، كما في الصحيح، فإنه أفضل بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وقد روى أحمد من حديث واثلة بلفظ "بني الله له في الجنة أفضل منه" وللطبرانيّ عن أبي أمامة بلفظ "أوسع منه" وهذا يشعر بأن المثلية لم تقصد بها المساواة من كل وجه. وقال النوويّ: إن يكون المراد أن فضله على بيوت الجنة، كفضل المسجد على بيوت الدنيا. قلت: البيت يكفي من عظمه إسناد

<<  <  ج: ص:  >  >>