يسرني به مِقْوَل بين بُصرى وصنعاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تهجوهم وأنا منهم؟ وكيف تهجو أبا سفيان وهو ابن عمي؟ فقال: والله لأَسُلَّنَّكَ منهم كما تسل الشعرة من العجين، فقال له: ائت أبا بكر، فإنه أعلم بأنساب القوم منك، فكان يمضي إلى أبي بكر ليفقهه في أنسابهم، وكان يقول له: كُفّ عن فلانة وفلانة، واذكر فلانة وفلانة، فجعل يهجوهم، فلما سمعت قريش شعر حسان قالوا: إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة، أو من شعر ابن أبي قحافة، فمن شعر حسان في أبي سفيان بن الحارث:
وإن سنام الجد في آل هاشم ... بنو بنت مخزوم ووالدك العبدُ
ومن ولدت أبناء زهرة منهم ... كرام ولم يقرب عجائزك المجد
ولست كعباس ولا كابن أمه ... ولكن لئيم لا يقوم له زَند
وإن امرأً كانت سمية أمه ... وسمراء مغمور إذا بلغ الجهد
وأنت هجين نيط في آل هاشم ... كما نيطَ خلف الراكب القدَح الفردُ
فلما بلغ هذا الشعر أبا سفيان قال: هذا الكلام لم يغب عنه ابن أبي قحافة، ويعنى بقوله بنت مخزوم فاطمة بنت عمرو بن عائذ، وهي أم أبي طالب وعبد الله والزبير بني عبد المطلب، وعنى بقوله "ومن ولدت أبناء زهرة منهم" حمزة وصفية وأمهما هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، والعباس وابن أمه ضرار بن عبد المطلب أمهما نُتَيلة امرأة من النَّمر بن قاسِط، وسمية أم أبي سفيان، وسمراء أم أبيه، ومن قول حسان أيضًا في أبي سفيان:
هجوت محمدًا فأجبتُ عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت مطهرًا برَّاً حنيفًا ... أمين الله شيمته الوفاء