قال مصعب الزبيري: هذه القصيدة قال حسان صدرها في الجاهلية وآخرها في الإِسلام، وهجم حسان على فتية يشربون الخمر فعيرهم في ذلك فقالوا: يا أبا الوليد، ما أخذنا إلا منك، وإنا لنهم بتركها، ثم يثبطنا عن ذلك قولك:
ونشربها فتتركنا ملوكًا ... وأسدًا ما ينهنهنا اللقاء
فقال: هذا شيء قلته في الجاهلية، والله ما شربتها منذ أسلمت. قال ابن سيرين: وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، وكان حسان وكعب بن مالك يعارضانهم بمثل قولهم في الوقائع والأيام والمآثر، ويذكران مثالبهم، وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر وعبادة ما لا يسمع ولا ينفع، فكان قوله يومئذ أهون القول عليهم، وكان قول حسان وكعب أشد القول عليهم فلما أسلموا وفقهوا كان أشد القول عليهم قول عبد الله بن رواحة. وقال صلى الله عليه وسلم في حسان:"إن قوله فيهم أشد عليهم من وقع النبل" وقد مرَّ نهي عمر له عن إنشاد الشعر في المسجد، وما أجابه به.
وروي عن عمر أنه نهى أن ينشد شيئاً من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحيّ والميت، وتجديد الضغائن، وقد هدم الله أمر الجاهلية بما جاء من الإِسلام. قال أبو عبيدة: اجتمعت العرب على أن أشعر أهل المدن يثرب ثم عيبد القيس ثم ثقيف، وعلى أن أشعر أهل المدن حسان بن ثابت، وعن أبي عُبيدة وأبي عمرو بن العلاء أنهما قالا: حسان أشعر أهل الحضر، وقال أحدهما: أهل المدن. وقال الأصمعي حسان أحد فحول الشعراء. وقال مرّة: شعر حسان في الجاهلية من أجود الشعر. وقيل لحسان: لان شعرك أو هَرِم في الإِسلام يا أبا الحُسام؟ فقال للقائل: يا ابن أخي إن الإِسلام يحجز عن الكذب، أو يمنع من الكذب، وإن الشعر يزينه الكذب، يعني أنّ شأن التجويد في الشعر الإفراط في الوصف، والتزيين بغير الحق،