أن تلك الإضافة إنما هي بطريق العموم، لا بخصوص المسألة المعينة، وهذا مصير من الخطابيّ إلى أن المراد بكتاب الله هنا القرآن، ونظير ما جنح إليه ما قاله ابن مسعود لأم يعقوب، في قصة الواشمة "ما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو في كتاب الله" ثم استدل على كونه في كتاب الله بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} لما أخرجه البخاري في التفسير عند هذه الآية.
وقال ابن بطال: المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة، سواء ذكر في القرآن أو لم يذكر. وقال ابن خزيمة: ليس في كتاب الله، أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه، لا أنَّ كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يبطُل، قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط، ويشترط في الثمن شروطاً من أوصافه أو نجومه أو نحو ذلك، فلا يبطل. وقال القرطبيّ: قوله ليس في كتاب الله، أي ليس مشروعًا في كتاب الله تأصيلًا ولا تفصيلًا، ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب الله كالوضوء، ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة، ومنها ما أُصِّل أصْلُه لدلالة الكتاب على أصْلِية السنة والإجماع والقياس الصحيح، فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلًا، فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلًا. قلت: ومن أجل هذا المعنى صح تناول قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} لجميع الأحكام الشرعية إلى قيام الساعة.
وقوله: وإن اشترط مئة مرةٍ، في رواية المستملي "مئة شرط" قال النوويّ: معنى قوله "ولو اشترط مئة شرط" أنه لو شرط مئة مرة توكيدًا، فهو باطل. ويؤيده رواية "مئة مرة" وإنما حمل على التأكيد, لأن العموم في قوله "كل شرط" وفي قوله "من اشترط شرطًا" دال على بطلان جميع الشروط المذكورة، فلا حاجة إلى تقييدها بالمئة فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك، لما دلت عليه الصيغة، فذكر المئة إنما هو على سبيل المبالغة. وقال القرطبيّ: قوله "ولو كان مئة شرط" خرج مخرج التكثير، يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلةٌ ولو كثرت، ويستفاد