يختص بالمسجد فإنما يسقط مما ذكر ثلاثة أشياء، وهي المشي والدخول والتحية، فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة، كالأخيرتين؛ لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص، وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول التعاهد، وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبًا غير تنبيه الإِمام إذا سها، فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب، قاله في الفتح.
قلت: ما ذكر من التعويض غير مستقيم؛ لأن الأمور المذكورة موجودة في المسجد، فلا يمكن التعويض بها لغيره، ولا يرد على الخصال التي ذكرت كون بعضها يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض، كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإِمام ونحو ذلك؛ لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية، ولو لم يقع. ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور ما أخرجه ابن أبي شَيبة عن ابن عباس موقوفًا عليه قال: فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمس وعشرون درجة، قال: فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في المسجد، فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف؟ قال: نعم. وهذا له حكم الرفع، لأنه لا يقال بالرأي، لكنه غير ثابت. وما أخرجه ابن حبان وأبو داود زيادة في حديث أبي سعيد الذي أخرجه البخاري قال:"فإن صلاّها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة" وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، بل حكى النوويّ أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها، لكن فيه نظر، فإنه خلاف نص الشافعيّ، وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال في هذا الحديث: إن صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة، وكأنه أخذه من إطلاق قوله "فإن صلاها" لتناوله الجماعة والانفراد، ولكن حمله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق.
ويلزم على ما قال النوويّ أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة، وقد استشكله القَرافيّ على أصل الحديث بناء على