القول بأنها سنة، ثم أورد عليه أن الثواب المذكور مرتب على صلاة الفرض وصنفه من صلاة الجماعة، فلا يلزم منه زيادة المندوب على الواجب، وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة، فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده، والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة، فبقي الإشكال على حاله، وفيه نظر؛ لأن التضعيف لم يحصل بسبب الإعادة، وإنما حصل بسبب الجماعة، إذ لو أعاد منفردًا لم تحصل له إلا صلاة واحدة، فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب.
واستدل بالحديث على أن الجماعة ليست شرطًا لصحة الصلاة, لأن قوله "على صلاته وحده" يقتضي صحة صلائه منفردًا، لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل، فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد وما لا يصح لا فضيلة فيه. قال القرطبي وغيره: لا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين، كقوله تعالى:{وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} لأنا نقول: إنما يقع ذلك على قلة، حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غير مقيدة بعدد معين، فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا، فلابد من وجود أصل العدد، ولا يقال يحمل المنفرد علي، المعذور؛ لأن قوله "صلاة الفذ" صيغة عموم، فيشمل من صلى منفردًا بعذر ويغير عذر، فتحمله على المعذور يحتاج إلى دليل، وأيضًا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي من هذا الكتاب عن أبي موسى مرفوعًا "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا".
وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة، ثم رده بحديث "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" واستدل بهذا على استواء الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أو قلت؛ لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة، فيدخل فيه كل جماعة. وبما روي عن ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن إبراهيم النخعيّ قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسًا وعشرين. وهو مسلم في أصل الحصول، لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر، لاسيما مع وجود النص المصرح به، وهو ما