عليه الصلاة والسلام، احتاج معه إلى استثبات الحاضرين، وبما قاله يجاب من قال: إن من أخبر بأمر حسي بحضرة جمع لا يخفى عليهم ولا يجوز عليهم التواطؤ، ولا حامل لهم على السكوت عنه، ثم لم يكذبوه، أنه لا يقطع بصدقه، فإن سبب عدم القطع كون خبره معارضًا باعتقاد المسؤول خلاف ما أخبر به.
وفيه أن الثقة إذا انفرد بزيادة خبر وكان المجلس متحدًا أو منعت العادة غفلتهم عن ذلك أن يقبل خبره، وفيه العمل بالاستصحاب, لأن ذا اليدين استصحب حكم الإتمام، فسأل مع كون أفعال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للتشريع، والأصل عدم السهو، والوقت قابل للنسخ، وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ، فسكتوا. والسَّرعَان هم الذين بنوا على النسخ، فجزموا بأن الصلاة قُصِرت، فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام. قلت: لم يقع من السَّرَعان ولا من غيرهم الجزمُ بالقصر، وإنما وقع الاستفهام، ومرَّ أن النُّسخة التي لم يذكر فيها لفظ الاستفهام تحمل على ما ذكر فيها ليحصل الوفاق بين النسختين.
وقوله: فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد، يفيد أن السهو لا تكبيرة إحرام فيه، وقد اختلف في سجود السهو بعد السلام، هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود؟ فالجمهور على الاكتفاء، وهو ظاهر غالب الأحاديث. وحكى القرطبيّ أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو، قال: وما يتحلل منه بسلام، لابد له من تكبيرة إحرام ما رواه أبو داود عن حماد بن زيد في هذا الحديث، قال:"فكبر ثم كبر وسجد للسهو". قال أبو داود: ولم يقل أحد فكبر ثم كبر إلا حماد بن زيد، فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة. وقال القرطبيّ أيضًا: قوله في رواية مالك يعني المُخَّرجة عند البخاري في السهو "فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر ثم سجد" يدل على أن التكبيرة للإحرام؛ لأنه انما أتي بثُم التي تقتضي التراخي، فلو كان التكبير للسجود لكان معه. وتعقب بأن ذلك من تصرف الرواة، ففي رواية ابن عون المذكورة هنا عن ابن سيرين بلفظ "فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر وسجد" فأتي بواو المصاحبة التي تقتضي المعية.