وسلم قام إلى خشبة في المسجد. وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات، وأنه دخل منزله أما فرغ من الصلاة، فأما الأول فقد حمله بعض الشيوخ على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة، واستبعد. ولكن طريق الجمع يكتفي فيها بأدنى ملابسة، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة، فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك، واستفهم النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله. وأما الثاني فلعل الراوي أما رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة، ظن أنه دخل منزله، لكون الخشبة كانت في منزله، فإن كان كذلك، وإلا فرواية أبي هريرة أرجح، لموافقة ابن عمر له على سياقه، كما أخرجه الشافعيّ وأبو داود وابن ماجه، ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه، كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وأبو بكر بن أبي حَثمة وغيرهم. وفي الحديث هنا ما يدل على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة، كان يرى التوحيد بينهما، وذلك أنه قال آخر حديث أبي هريرة: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم.
وقوله: قال لم أنس ولم تُقصر، كذا في أكثر الطرق وهو صريح في نفي النسيان، ونفي القصر، وفيه تفسير للمراد بقوله في رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم "كل ذلك لم يكن" وتأييدًا لما قاله أصحاب المعاني: إن لفظ كل إذا تقدم وعقبها النفي كان نفيًا لكل فرد لا للمجموع، بخلاف ما إذا تأخرت، كأن يقول: لم يكن كل ذلك، ولهذا أجاب ذو اليدين في رواية أبي سفيان بقوله: قد كان بعض ذلك. وأجابه في هذه الرواية بقوله: بلى قد نسيت، لأنه لما نفى الأمرين، وكان مقررًا عند الصحابيّ أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية، جزم بوقوع النسيان لا بالقصر، وهو حجة لمن قال إن السهو جائز على الأنبياء فيما طريقه التشريع، إلى آخر ما مرَّ مستوفى عند حديث ابن مسعود في باب التوجه نحو القبلة.
وقال بعض العلماء: إن قول ذي اليدين "بلى قد نسيت" أوقع شكًا في قلبه